ويبقى الترجيح بين هذه الدلالة وبين غيرها، من قوله:"قُوِّمَ عليه، وأُعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد"؛ حيث إن ظاهره يرتب العتق على إعطاء القيمة، فأي الدليلين كان أظهرَ، عمل به.
ثم قوله:"فعليه خلاصُه من مالِه": يقتضي عدم استسعاء العبد عند يسار المعتق.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنْ لم يكنْ له مالٌ": يقتضي ظاهرُه النفيَ العامَّ للمال، والمراد به: المال الذي يؤدي إلى خلاص المملوك.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: جواز عتق العبد المملوك المشترك من بعض الشركاء.
ومنها: أنه إذا كان له مال أنه يلزمه خلاص باقيه من ماله.
ومنها: أنه إذا لم يكن له مال، واستسعى العبد فيما يفك به رقبته: أنه لا يكون سعيًا شاقًّا على العبد، بل يعمل فيه بالاجتهاد، والظن الراجح؛ كما قلنا في القيمة.
ومنها: تعظيم حق العتق، وأنه مطلوب مؤكد للشرع.
ومنها: استسعاء العبد عند عسر المعتق نصيبه، وتقدم الاختلاف فيه في الحديث قبله، والمخالفون في الاستسعاء يعارضونهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإلَّا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ".
قال شيخنا الإمام أبو الفتح - رحمه الله -: والنظر المنحصر في تقديم أحد الدلالتين على الأخرى، في قوله:"فقد عتق منه ما عتق" على رقِّ الباقي، ودلالة الاستسعاء على لزومه في هذه الحالة، قال: والظاهر ترجيح هذه الدلالة على الأولى، والله أعلم (١).
قلت: إنما حمل الشيخ - رحمه الله - ترجيحَ دلالة الاستسعاء على دلالة