للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ رافعًا صوته، فقال: "أواب" (١).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْسِلُ ذَكَرَهُ"؛ برفع اللام، خبرٌ بمعنى الأمر، وهو مجاز جائز؛ لِما يشتركان فيه من معنى الإثبات، ولو روي مجزومًا؛ [جاز على ضعف.

ومنهم من منعه إلَّا في ضرورة الشعر بحذف الحرف عن المجزوم، وانفعاله؛ كقول الشاعر: مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ] (٢)

وفي الحديث فوائد:

منها: أنَّ المذيَ لا يوجب الغسل؛ وهو مجمَع عليه.

ومنها: أَنَّه ينقضُ الوضوء؛ وهو مذهبُ أبي حنيفة، والشَّافعيِّ، وأحمدَ، والجماهير قالوا: ويوجب الوضوء.

ومنها: نجاستهُ؛ لإيجاب الغسل، لَكِنْ قالَ الشَّافعي، والجماهير: يجب غسل ما أصابه المذي، لا غسل جميع الذَّكَر.

وحكي عن مالك، وأحمد -في رواية عنهما-: إيجابُ غسل جميعِ الذكر؛ لكونه حقيقةً في العضو كله، وزاد الإمام أحمد: وجوبَ غسل الأنثيين أيضًا؛ لحديث رواه أبو داود - منقطعًا -: في غسله جميعِ الذكر.

ثم من قال بوجوب غسل الجميع، اختلفوا في معناه: هل هو لتبريد العضو؛ فيضعف المذي، أو هو تعبد؟ وبنوا على ذلك فرعًا، وهو وجوب النية لغسله.

إن جعلناه تعبدًا، وجبت؛ حيث لا نجاسة على ما زاد على محل خروجه، فليس بإزائه نجاسة، وإنما هو عبادة؛ فافتقر إلى النية؛ كالوضوء.

وعدولُ جمهور العلماء عن استعمال الحقيقة في الذَّكَر كلِّه نظرًا إلى المعنى الموجِب للغسل، وهو خروجُ الخارج، فاقتضى الاقتصار عليه.

ومن جعل الحكمة في غسل جميعه التبريد، اقتضى عدم وجوبه -أيضًا- والله أعلم.


(١) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (٤/ ١٤٨٢)، عن حماد بن سلمة، عن ثابث، عن أنس.
(٢) ما بين معكوفين ساقط من "ح".

<<  <  ج: ص:  >  >>