وأمَّا مالك: فعملَ بالقياس في نجاسته رطبًا، ويابسًا، وإزالته، ووجه القياس فيه من وجوه:
أحدها: أنَّ الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في محل يجتمع نَجِسةٌ، والمني منها، فليكن نجسًا.
وثانيها: أنَّ الأحداث الموجبة للطهارة نجسة، والمني من الأحداث الموجبة للطهارة.
وثالثها: أنه يجري على مجرى البول، فيتنجس.
وهذا غير مقبول؛ فإنَّ مجرى المني غير مجرى البول.
ولهذا قال أصحاب الشَّافعي: يجب غسل المني إذا استجمر بالحجر؛ لأنه يجتمع هو والبول في رأس الذكر، وهو نجس معفو عنه بالنسبة إلى الصلاة، غير معفو عنه بالنسبة إلى ما يلاقيه من الرطوبات، فلو كان يجري في مجرى البول، لما كان لقولهم فائدة، ولقالوا: بوجوب غسله؛ لتنجسه.
وأمَّا في إزالته بالماء؛ فكسائر النجاسات، إلَّا ما عفي عنه، والفرد يلحق بالأعم الأغلب.
وأمَّا الليث فقال: نجسٌ تعاد الصلاة منه.
وأمَّا الحسن بن صالح فقال: لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيرًا، وتعاد منه في الجسد وإن كان قليلًا.
وأمَّا الشَّافعي - رحمه الله -: فاتبع الحديث في فركه؛ كما تقدم، ورآه دليلًا على طهارته، فلو كان نجسًا، لما اكتفى فيه إلَّا بالغسل؛ قياسًا على سائر النجاسات.
فلو اكتفى بالفرك مع كونه نجسًا؛ لزم خلاف القياس، والأصل عدم ذلك.
وهذا الحديث يخالف ظاهره لما ذهب إليه مالك، وقد اعتذر عنه بأشياء فيها بعد نقلًا وتأويلًا، والله أعلم.