وهو قول الحسن، ومالك، والشافعي، ومنع العبور فيها مطلقًا أبو حنيفة، وأصحابه، وقال بعض أصحابه: يتيمم للمرور فيها.
وأمَّا الصلاة: فلم يبحْ أحدٌ الدخولَ فيها جنبًا للقادر على الماء، أو التراب، وعند عدمهما يجوز الدخول فيها؛ للضرورة.
فعلى قول الجمهور يكون معنى الحديث: أنَّ الرجل اعتزلَ المصلَّى، والصلاة، في غيرِ سفر:
فلو كان في حضر؛ بأن كان في قرية انقطع ماؤها، فإنه يتيمم، ويصلي، ولا إعادة عليه عند مالك، والأوزاعي، ويعيد عند الشَّافعي؛ إذا قدر على الماء في الوقت، ويقضي خارجه؛ لندرة إعواز الماء في الحضر، وعند أبي حنيفة: يؤخر الصلاة حتى يجد الماء.
وهذا الحديث حجة عليه، وعلى من أوجب الإعادة؛ لإطلاقه كفاية التيمم من غير إعادة، فإنها لا تجب إلَّا بأمر محدد، ولا أمر؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز له تأخير البيان عن وقت الحاجة.
كيف! وهو متأخر عن الأمر بالتيمم؛ فإنه في سنة خمس، وهذا بعد إسلام عمران بن الحصين - رضي الله عنهما -، وهو بعد عام خيبر، سنة سبع، والله أعلم.
وقوله:"أَصابتني جَنابةٌ، ولا ماءَ"؛ يحتمل أنه لم يعلم مشروعية التيمم، ويحتمل أنه علمه، لكن اعتقد أَنَّ الجنبَ لا يتيمم، ورجح هذا الاحتمال؛ لسبق مشروعية التيمم على إسلام عمران راوي الحديث.
وقوله:"ولا ماءَ"؛ نفيٌ لوجود الماء بالكلية؛ بحيث لا يوجد بسبب، ولا سعي؛ ليكون أبلغ في النفي، وإقامة العذر.
وقد أنكر بعض المتكلمين على النحاة، تقديرهم في قوله: لا إله إلا الله؛ لنا، أو في الوجود، وقال: نفي الحقيقة مطلقةً أعمُّ من نفيها مقيدةً؛ لأنَّ إبقاءها مقيدة؛ دليلٌ على سلب الماهية مقيدة.