للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأن عمارًا لما رأى الوضوء خاصًّا ببعض الأعضاء، وبدله؛ وهو التيمم خاصًّا -أيضًا-؛ وَجَبَ أَنْ يكونَ بدلُ الغسلِ الذي يعمُّ جميعَ البدن عامًّا لجميعه.

وقد استدل أبو محمدِ بنُ حزمٍ الظَّاهريُّ بهذا الحديث على إبطال القياس؛ لأن عمارًا قَدَّرَ: أن المسكوتَ عنه؛ من التيمم للجنابة، حكمُه حكمُ الغسل من الجنابة؛ إذ هو بدل منه، فأبطل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأعلمه أَن لكلِّ شيءٍ حكمَ المنصوص عليه فقط.

قال شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -: والجواب عن استدلاله بهذا الحديث على بطلان هذا القياس الخاص:

أنه لا يلزمُ من بطلانِ الخاصِّ، بطلانُ العامِّ، والقائسون لا يعتقدون صحةَ كلِّ قياسٍ.

ثم في هذا القياس شيء آخر؛ وهو أن الأصل -الذي هو الوضوء- قد نفي فيه مساواة البدل؛ فإن التيمم لا يعم جميع أعضاء الوضوء؛ فصار مساواة البدل للأصل ملغًى في محلِّ النص؛ وذلك لا يقتضي المساواةَ في الفرع.

بل لقائل أن يقول: قد يكون الحديث دليلًا على صحة أصل القياس، وأَنَّ قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما كانَ يكفيكَ كَذا وكَذا"؛ يدل أنه: لو كان فعله، لكفاه.

وذلك دليلٌ على صحة قولنا: لو كان فَعَلَهُ؛ لكان مصيبًا، ولو كان فَعَلَهُ؛ لكان قائسًا التيممَ للجنابة، على التيمم للوضوء؛ على تقدير أَنْ يكونَ اللمسُ -المذكورُ في الآية- ليسَ هو الجماعَ.

لأنه لو كان عند عمار هو الجماع، لكان حكمُ التيممِ مبينًا في الآية؛ فلم يكن يحتاج إلى أَنْ يتمرغَ؛ فإن فِعْلَه ذلك لا يتضمن اعتقاد كونِه ليس عاملًا بالنص، بل بالقياس.

وحكمُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأَنَّه كان يكفيه التيمم على الصورة المذكورة، مع ما بيَّن من

<<  <  ج: ص:  >  >>