ثم هذه الخصيصة تنفي وجود الرعب لغيره - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من مسيرةِ شهرٍ، ولا ينفي أقل من ذلك، وأمَّا المساواة، فهي -أيضًا- منفية؛ لحصول الاشتراك معه - صلى الله عليه وسلم - في خصوصيته وفضائله، ويجوز أن يحصل ذلك لغيره؛ من أتباعه، على سبيل التبعية له - صلى الله عليه وسلم -، لا على سبيل الأصالة؛ ككرامات الأولياء، والله أعلم.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وجُعِلَتْ ليَ الأرضُ مَسْجِدًا": المَسْجِدُ في الأصل: مَوْضِعُ السُّجُودِ.
وهو بكسر الجيم، وفتحها، وقيل: بالفتح: اسم لمكان السجود.
وبالكسر: اسم للموضع المتَّخَذ مسجدًا.
وحكى غير واحد من أهل اللغة: أنه يقال للمسجد: مَسْيِد -بفتح الميم، وكسر الياء المثناة تحت، بدل الجيم-.
ثم يطلق في العرف: على كل مكان مبني للصلاة؛ التي فيها السجود.
وكانت الأمم الماضية لا يجوز لها الصلاة إلا في الأماكن المعدَّة لها؛ من البِيَع، والكنائِس، وقيل: كانوا لا يصلون إلا في أرض تيقنوا طهارتها، وخُصت هذه بالصلاة في جميع الأرض، إلا ما تيقنا نجاسته.
فأكرم الله تعالى نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وأمته؛ بجعل الأرض كلِّها مسجدًا؛ توسعةً عليها، واستثنيت أماكن تمنع الصلاة فيها؛ لوصفٍ عرضَ لها؛ لنجاسة، أو إيهام تعظيم، أو لشغل قلب المصلي فيها؛ كالسوق، ومعاطن، تتعلق به شيء، من أحكام المساجد الشرعية.
وقد يكون تسميتها مسجدًا مجازًا من المكان المبني للصلاة؛ لاشتراكهما في الصلاة فيها؛ فيكون من مجاز التشبيه بجملة الصلاة، لا بعضها؛ وهو السجود فقط.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وطَهورًا": الطَّهور: هو المطهِّر لغيره؛ لخصوصية التطهير بالتراب بعد الماء.