ولو كان الطهور هو الطاهر، لم تثبتِ الخصوصيةُ؛ فإنَّ طهارةَ الأرض عامةٌ في حق كل الأمم.
وقد استدل به مَنْ جَوَّزَ التيممَ بجميع أجزاء الأرض؛ للعموم في قوله:"وجُعِلَتْ ليَ الأرضُ مَسْجِدًا وطَهورًا".
وأجاب من خصّ التيممَ بالتراب؛ بتخصيصه به في الحديث الآخر؛ وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وجُعِلَتْ تربتُها لنا طهورًا"(١)، والخاصُّ يقضي على العام.
واعترض على ذلك بوجوه:
منها: أَنَّ تربةَ كلِّ مكانِ: ما فيه من تراب وغيره.
ومنها: أَنَّه مفهومُ اللقب، وهو يعلق الحكم بالتربة؛ وهو ضعيف عند الأصوليين، لم يقلْ به إلا الدَّقاق.
وأُجِيبَ عن هذا: بأنَّ في الحديث قرينةً زائدة على مجرد تعليق الحكم بالتربة؛ وهو الافتراق في اللفظ: بين جَعْلِ الأرضِ كلِّها مسجدًا، وجَعْلِ تربتها طهورًا؛ بمقتضى الحديثِ الآخر، والافتراقُ في السياق بالعطف يدل على الافتراق في الحكم.
ومنها: أنه لو سُلِّمَ أَنَّ الحديثَ الذي خصَّ التربةَ بالطهوريَّة بمفهومه، والحديثَ الذي عمَّ الأرض بها جميع أجزائها بمنطوقه؛ وإذا تعارضت دلالةُ المفهوم التي تنفي الطهورية، عن غيرها من أجزاء الأرض، ودلالةُ المنطوق التي تقتضي طهوريَّة جميع أجزائها؛ لكان المنطوقُ مقدَّمًا على المفهوم هاهنا، والله أعلم.
وقال بعض المالكية: لفظُ طَهور يستعمل لا عن حدث، ولا خبث؛ كما سُمِّيَ الصعيد طهورًا، وليس عن حدث، ولا خبث؛ فإن التيمم لا يرفع الحدث.
وجعل ذلك جوابًا عن استدلال الشَّافعية على نجاسة فم الكلب، بقوله:
(١) رواه مسلم (٥٢٢)، في أول كتاب: المساجد ومواضع الصلاة.