ثم اعلم أن كيفية شفاعته - صلى الله عليه وسلم -: أنه يشفع أولًا في إراحة الخلق من الموقف، والفصل بين العباد، وهذا هو المقامُ المحمودُ الذي ادَّخره الله تعالى له، وأعلمه أنه يبعثه فيه.
ثم بعد ذلك حلَّت الشفاعة في أمته - صلى الله عليه وسلم -، وفي المذنبين، وحلت شفاعة الأنبياء، والملائكة، وغيرهم -صلوات الله وسلامه عليهم-.
ثم تمييز المؤمنين من المنافقين، ثم حلول الشفاعة، ووضع الصراط، وهذه شفاعة في المؤمنين المذنبين على الصراط؛ وهي لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولغيره.
ثم الشفاعة فيمن دخل النار، وهذا مما تقتضيه مجموع الأحاديث، والله أعلم.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكانَ النبيُّ يُبعثُ إلى قومِه، وبُعثتُ إلى الناسِ كافَّةً":
تقدم الكلام على نوح - صلى الله عليه وسلم -، والاعتراض به على هذا في كونه بعث إلى أهل الأرض، والجواب عنه.
وفي هذه الرواية: أنه - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ إلى الناس كافة، وهي تقتضي: تخصيص البعثة إلى الناس، دونَ غيرهم، وليس الأمر كذلك؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك في معرض امتنان الله تعالى عليه، لكنه لا تُنفَى زيادةُ الامتنان ببعثَتِه إلى غيرهم؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى الأبيض والأسود.
وروى مسلم في "صحيحه": أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"وبُعِثْتُ إلى كلِّ أحمرَ وأسودَ"(١).
قيل: المراد بالأحمر: البيضُ من العجم، وغيرِهم، وبالأسودِ: العربُ؛ لغلبة السُّمرة فيهم، وغيرهم منَ السودان.
وقيل: المراد بالأسود: السودان، وبالأحمر: من عداهم من العرب، وغيرهم.
(١) رواه مسلم (٥٢١) (١/ ٣٧٠)، في أول كتاب: المساجد ومواضع الصلاة.