للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل أَنْ يكونَ: من مجاز التشبيه؛ إِنْ كانَت سببُ الاستحاضة كثرةٌ مادة الدم، وخروجه من مجاري الحيض المعتادة.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعِي الصَّلاة قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتي كنتِ تَحيضِينَ فيها":

دل بلفظه على أن هذه المرأة كانت معتادة؛ وهذا يقتضي: أنها كانت لها أيام تحيض فيها.

وليس في لفظ الحديث ما يدل أنها كانت مميزة، أو غير مميزة، فقد يستدل به من يرى الرد إلى أيام العادة؛ سواء كانت مميزة، أو غير مميزة؛ وهو اختيار أبي حنيفة، وأحدُ قولي الشَّافعي.

ولا شكَّ أَنَّ المستحاضة تكون مبتدأةً، أو معتادةً، وكلُّ واحدةٍ منهما تكون مميزة، وغير مميزة؛ فتصير أربعة.

والتمسك بهذا الحديث على ردِّها إلى العادة؛ سواءٌ كانت مميزة، أو غير مميزة، ينبني على قاعدة أصولية؛ وهي منقولةٌ عن الشَّافعي - رحمه الله -: تركُ الاستفصال في حكاية الحال ينزلُ منزلةَ العموم في المقال؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - لفيروز، وقد أسلم على أختين: "اِخْتَرْ أَيَّهمَا شِئْتَ" (١)، ولم يستفصله، هل وقع العقد عليهما مرتبًا، أو متفاوتًا؟

وكذا نقول هاهنا، لما سألت هذه المرأة عن حكمها في الاستحاضة، ولم يستفصلها - صلى الله عليه وسلم - عن كونها مميزة، أو غير مميزة؛ كان دليلًا على أَنَّ الحكمَ عامٌّ في المميزة، وغيرها؛ كما قالوا في قصة فيروز، والذي يقال عليه؛ من أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يجوز أَنْ يكونَ عَلِمَ حالَ الواقعة كيف وقعت، وأجاب على ما علم؛ يقال هاهنا: يجوز أن يكون علم حال الواقعة في التمييز، وعدمه.

وقوله في رواية: "لَيْسَ بالحِيضَةِ"؛ هي بكسر الحاء؛ أي: الحالة؛ وهو مذهب الخطابي.


(١) رواه الترمذي (١١٢٩)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان، وقال: حسن، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>