وذكر بعض أصحاب الشَّافعيِّ وجها: أنَّها مخاطبةٌ بالصيام في حال الحيض، وتؤمر بتأخيره كما يخاطب المحدِثُ بالصلاة، وإن كانت لا تصح منه في زمن الحدث.
وهذا الوجه ليس بشيء، فكيف يكون الصومُ واجبًا عليها بسببٍ لا قدرة لها على إزالته؟! بخلاف المحدِث؛ فإنه قادر على إزالة الحدث، والله أعلم.
وقد اكتفت عائشة - رضي الله عنها - في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به، فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون أخذت إسقاطَ القضاء من سقوط الأداء، ويكون مجرد سقوط الأداء دليلًا على سقوط القضاء، إلَّا أَنْ يُوجدَ معارض، وهو الأمر بالقضاء؛ كما في الصوم.
الثاني: وهو الأقرب: أن يكون السببُ في ذلك أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم؛ فإن الحيض يتكرر، فلو وجب قضاء الصلاة فيه، لوجب بيانه، وحيث لم يتبين، دل على ما يقوله أرباب الأصول من أن قول الصحابي: كنا نُؤمر، ونُنهى، في المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لم تقم الحجة به، والله أعلم.
وفي الحديث دليل على: السؤال عن العلم، وأن المسؤول إذا فهم من لفظ السائل شيئًا، يذكره له، ويبين ذلك له، وإن كان مقصود السائل خلافه، فيجب.
وفيه: بيان السائل مراده من لفظه.
وفيه: أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهيه حجة بمجرده، ولا يفتقر إلى معرفة سره، أو حكمته، أو علته.
وفيه دليل على: أن الحائض لا تصوم، ولا تصلي، وأنها تقضي الصوم دون الصلاة.
وتقدم نقلُ الإجماع على الأربعة الأحكام منها، والله أعلم، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.