الوقت من لفظه ببيان رواية أبي داود، والترمذي، وابن خزيمة، والحاكم، والله أعلم.
واعلمْ أَنَّ الأحاديثَ قد اختلفت في أفضل الأعمال، وتقديم بعضها على بعض، والذي قيل في الجمع بينها: أَنَّها أجوبةٌ مخصوصةٌ، لسائلٍ مخصوصٍ بالنسبة إلى حاله، أو وقته، أو بالنسبة إلى عموم ذلك الحال والوقت، أو بالنسبة إلى المخاطبين بذلك، أو من هو في مثل حالهم.
ولو خُوطِبَ بذلك الشجاعُ الباسلُ المتأهلُ للنفعِ الأكبرِ في القتال لقيل له: الجهاد.
ولو خُوطِبَ صاحبُ المالِ ذو الثروة، لقيل له: الصدقة.
وهذا في حق جميع أحوال الناس، قد يكون الأفضلُ في حقِّ قوم، أو شخص، مخالفًا للأفضل في حق آخرين؛ بحسب المصلحة اللائقة بالوقت، أو الحال، أو الشخص.
وقد تقدم -في هذا الحديث- بِرُّ الوالدبن على الجهاد، وهو دليل على تعظيم بِرِّهما، ولا شكَّ أنَّ أذاهما بغير موجب محرمٌ، وممنوع منه، وأما ما يجب من البر، ففي ضبطه إشكال، وكلام طويل.
والجهادُ ينقسم إلى: فرضِ عينٍ، وفرضِ كفايةٍ؛ فالعينُ: مقدَّمٌ على حق الوالدين، والكفايةُ: لا يجوز إلا بإذنهما إذا تعطلت مصلحتُهما الواجبة به، وكل حق متعين وكفاية كذلك حكمه بالنسبة إليهما، والله أعلم.
وبِرُّهما: الإحسانُ إليهما، وفعلُ الجميل معهما، وفعلُ ما يسرُّهما، ويدخل فيه: الإحسانُ إلى صديقِهما؛ كما ثبت في الصحيح:"إنَّ مِنْ أَبَرَّ البرَّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ"(١).
قال أهلُ اللغة: يُقالُ: بَرِرْتُ والدي، أَبَرُّهُ -بكسر الراء في الماضي،
(١) رواه مسلم (٢٥٥٢)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.