للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير القفال الصغير المروزي المتكرر في كتب أصحاب الشَّافعي المتأخرين من الخراسانيين-، قال الحليمي: وكان القفال أعلمَ من لقيته من علماء عصره، إنه جمع بين هذه الأحاديث بوجهين:

أحدهما: نحو ما ذكرناه أولًا، قال: فإنه قد يقال: خيرُ الأشياءِ كذا، ولا يراد أنه خير جميع الأشياء من جميع الوجوه، وفي جميع الأحوال، والأشخاص، بل في حال دون حال، ونحو ذلك.

واستشهد في ذلك بأخبار منها: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "حِجَّةٌ لِمَنْ لم يحجَّ أفضلُ من أربعينَ غزوةً، وغزوةٌ لِمَنْ حَجَّ أفضلُ من أربعين حِجَّةً" (١).

الوجه الثاني: أنه يجوز أن يكونَ المرادُ: من أفضل الأعمال كذا، أو: ومن خير هذا، أو: من خيركم من فعل كذا، فحذفت من، وهي مرادة؛ كما يقال: فلان أعقل الناس، وأفضلهم؛ ويراد أنه: من أعقلهم، وأفضلهم.

ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ" (٢)، ومعلوم أنه لا يصير بذلك خيرَ الناس مطلقًا، ومن ذلك قولهم: أَزْهَدُ النَّاس في عالم جيرانُه، وقد يوجد في غيرهم من هو أزهدُ منهم فيه، هذا كلام القفال.

فعلى هذا الوجه: يكون الإيمانُ أفضلَها مطلقًا، والباقياتُ متساويات في كونها من أفضل الأعمال، أو الأحوال، ثم يعرف فضل بعضها على بعض بدلائل عليها، ويختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص.

ولا شكَّ أنه جاء في بعض هذه الروايات: أفضلُها كذا، ثم كذا؛ بحرف "ثم"، وهي موضوعة للترتيب، وهي هنا: للترتيب في الذكر؛ كما قال الله


(١) رواه البزار في "مسنده" (٥/ ٢٧٩) (مجمع الزوائد للهيثمي).
(٢) رواه الترمذي (٣٨٩٥)، كتاب: المناقب، باب: فضل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: حسن غريب صحيح، وابن حبان في "صحيحه" (٤١٧٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٤٦٨)، عن عائشة - رضي الله عنها -. وفي الباب: عن أبي هريرة، وابن عباس، ومعاوية، وغيرهم - رضي الله عهم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>