للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد:١٢ - ١٦].

ومعلوم أنه ليس المراد الترتيب في الفعل؛ وكما قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: ١٥١]، إلى قوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: ١٥٤]، وكما قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف: ١١]، ونظائر ذلك كثيرة، ومما أنشدوا فيه:

قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ... ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدَّهُ

وحكى القاضي عياض - رحمه الله - في الجمع بينهما وجهين:

أحدهما: نحو الوجه الأول، قال: قيل: اختلف الجواب لاختلاف الأحوال، فأعلم كل قوم بما بهم حاجة إليه، أو بما لم يكملوه من دعائم الإسلام، ولا بلغهم علمه.

والثاني: أنه قدم الجهاد على الحج في بعضها؛ لأنه كان أول الإسلام، ومحاربة أعدائه، والجد في إظهاره، وذكر بعضهم: أن "ثم" لا تقتضي ترتيبًا؛ وهو شاذ عند أهل العربية، والأصول، والمراد بالجهاد: الجهاد المتعين وقت الزحف؛ أي: النفير العام؛ فإنه متقدم على الحج؛ لما فيه من المصلحة العامة للمسلمين، والله أعلم (١).

واعلم: أَنَّ العباداتِ على ضربين:

منها: ما هو مقصود بنفسه.

ومنها: ما هو وسيلة إلى غيره، وفضيلة الوسيلة بحسب مقصودها المتوصَّل إليه؛ فحيث يعظمُ [المقصود، تعظم] الوسيلة، فالجهاد وسيلة إلى إعلان الإيمان ونشره، وإخماد الكفر ودَحْضه؛ فعظمُ فضلهِ بفضل مقصوده؛ وهو الإيمان.


(١) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (٢/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>