المضاف إليه مقامه، تقديره: كان يصلي صلاة الهجير، ولا شك أن "كان" تقتضي الدوام -عرفًا-، وتشعر بالتكرار كما يقال: كان فلان يكرم الضيف، ويقاتل العدو: إذا كان ذلك دأبه وعادته.
والألف واللام في "المكتوبة"؛ للاستغراق، ولهذا أجاب بذكر الصلوات كلها؛ لأنه فهم من السائل العموم.
وقوله:"حِينَ تَدْحَضُ الشَّمسُ"؛ أي: تزول وتدحضُ -بفتح التاء، والحاء- يقال: دَحَضَتِ الشَّمسُ، تدحض: إذا زالت، وظاهر اللفظ يقتضي: وقوعَ صلاته - صلى الله عليه وسلم - للظهر عند الزوال؛ فلا بدَّ من تأويله.
وقد يتمسك به مَنْ يقول من أصحاب الشَّافعيِّ: إنَّ فضيلَة أول الوقت إنما تحصل بأن تقع شروط الصلاة متقدمة على دخول الوقت، وتكون الصلاة واقعة في أوله؛ بهذا الحديث، وهو ضعيف؛ إذ لا يمكن وقوع جميع الصلاة حين الزوال؛ لتعذره [ولانضاف أول جزء من الصلاة على أول جزء من الوقت عند الزوال لعسره](١).
ولهذا كان الصحيح في المذهب: أنه إذا اشتغل عقب دخول الوقت بأسباب الصلاة، وسعى إلى المسجد، وانتظر الجماعة، ولم يشتغل إلا بما يتعلق بالصلاة؛ كان مدركًا للفضيلة أولَ الوقت، ويشهد له فعل السلف، والخلف، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان يُشدد في إدراك فضيلة أول الوقت هذا التشديد العسر.
ومنهم من قال: تمتدُّ فضيلة أول الوقت إلى نصف وقت الاختيار؛ فإن النصفَ السابقَ من الشيء يُطلق عليه: أولُ بالنسبة إلى المتأخر.
وقوله:"والشَّمسُ حَيَّةٌ" فهو مجاز عن نقاء بياضها، وعدم مخالطة الصفرة لها، وتقدم في الحديث قبله.
وقوله:"وكانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ العِشاءِ"، لفظة "من" هنا: للتبعيض الذي حقيقته راجعة إلى الوقت، أو الفعل المتعلق بالوقت.