وظاهره يوهم مخالفةَ الحديث قبلَه، وفعلها بين المغرب والعشاء، وليس كذلك، بل حبسُ المشركين إياه انتهى إلى اصفرار الشمس، ولم يقع فعلُها إلا بعد المغرب؛ لاشتغاله - صلى الله عليه وسلم - ناسيًا لها، أو غيرِها؛ مما اقتضى جوازَ تأخيرها إذ ذاك، والله أعلم.
وأما أحكام الحديث:
ففيه دليل على: جوازِ الدعاءِ على الكفار بمثل هذا الدعاء، وعلى الإخبار بسبب الدعاء؛ لإقامة العذر.
وفي ظاهره دليل على: إِنْ فاتَتْهُ الفريضة تُقضَى في جماعة؛ وبه قال العلماء كافة.
إلا ما حُكي عن الليث بن سعد: أنه منعَ ذلك، فإن صحَّ؛ فهو مردود بظاهر هذا الحديث، وبصريح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصبحَ بأصحابه جماعة حين ناموا عنها بعد طلوعِ الشمس؛ كما ثبت في "صحيح مسلم"(١).
وفيه دليل على: أن من فاتته صلاة، وصلاها في وقت آخر؛ أنه يبدأ بالفائتة، ثم يصلِّي الحاضرة، وهو مجمَع عليه، لكنَّه عندَ الشَّافعي، وطائفة: على الاستحباب، فلو صلى الحاضرة، ثم الفائتة، جاز.
وعند مالك، وأبي حنيفة، وآخرين: على الإيجاب، فلو قدم الحاضرة، لم يصح، وتقدم دليلهما مبينًا.
وقد يحتج بفعله - صلى الله عليه وسلم - العصرَ مقدمة على المغرب بعدَ غروب الشمس؛ مَنْ يقول: إن وقت المغرب متسعٌ إلى غروب الشَّفَق؛ لأنه لو كان ضيقًا، لبدأ بالمغرب؛ لئلا يفوت وقتُها، فدلَّ على أنه متسع.
لكن لا يمشي ذلك عند من يقول: إنه ضيق، فيحتاج إلى الجواب عن هذا؛ لأن المختار اتساعه؛ كما بيناه فيما تقدم، والله أعلم.
(١) رواه مسلم (٦٨٠)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.