بالإقامة إذا سمعه وهو في بيته، وقد حضر طعامه، لم يجبه، وبدأ به، وإن فاتته الصلاة في الجماعة.
وفي هذا الاستدلال نظر؛ فإن الجماعة لا يسقط أصل وجوبها به، لكن حضورَ الطعام عذرٌ في تركها، ووجود العذر رخصة في ترك الواجب، لا أنه يرفعه بمعنى عدم تعلق الخطاب به.
وفيه دليل على: أنه يبدأ بالأكل، ويأكل حاجته بكاملها بحيث يسمى عشاء، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية في "صحيح مسلم: "فابْدَؤوا بِالعَشاء" ولا تعجلَنَّ حتى تفرغَ منه".
وهذا يضعف تأويلَ من تأوله على أكل ما يكسر سورةَ الجوع، ويبطله؛ لكن شرطَه: ألا تخرجَ الصلاة عن وقتها، وتصيرَ قضاءً، هذا هو المذهب الصحيح عند الشافعي، وجمهور أصحابه، وغيرهم.
وحكى أبو سعيد المتولي من أصحاب الشافعي وجهًا لبعض الأصحاب: أنه لا يصلِّي، بل يأكلُ، ويتوضأ، وإن خرج الوقتُ؛ لأن مقصودَ الصلاة الخشوعُ، فلا يفوته، وهو ضعيف؛ لما يلزم منه من ترك واجب لأجل المحافظة على فعل مندوب.
مع أن العلماء من أصحاب الشَّافعي، وغيرهم قالوا: وإن ترك الطعام، وصلى على حاله، وفي الوقت سعة، فصلاته صحيحة، وكان فعلها مكروهًا، ويُستحب له إعادتها.
وفيه دليل على: أنه ينبغي ألا يدخلَ في الصلاة إلا وقلبه فارغٌ من كل ما يشغله، ويُذهب خشوعَه؛ لأنه إذا نُهي عنها لأمر لازم ليس وجوده بتعاطيه؛ فغيره مما يتعاطاه أولى.
وفيه دليل على: فضيلةِ هذه الأمة، وما منحها الله تعالى من مراعاة حظوظ البشرية، وتقديمها على الفضائل الشرعية، ووضع الشديدات عنها، وتوفير ثوابها على ذلك، خصوصًا إذا قصده للمتابعة؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله أعلم.