فعلهما، لا بعد دخول وقتهما، لأنه لو أخرهما لم تكن الصلاة قبلهما، وإن تقدم فعلهما في أول الوقت، كرهت، فدل على ما ذكرنا، وأن عدم الكراهة بدخول وقتهما يختلف بتطويل النافلة وتخفيفها؛ فإنه ربما طول المُصلي النافلة قبل فعلهما إلى آخر وقتهما، فيكون ذلك مكروهًا، وهذا كله بخلاف كراهة الصلاة عند الطلوع، والاستواء، والغروب بالحمرة والصفرة؛ فإن الكراهة فيها متعلقة بالوقت، وهذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار، وإن اختلف بعض المتقدمين فيه من بعض الوجوه.
واعلم أن صيغة النفي إذا دخلت على فعل في ألفاظ صاحب الشرع، كان حملها على نفي الفعل الشرعي أولى من نفي الفعل الوجودي، لتكون نفيًا للحكم الشرعي لا للفعل الحسي؛ لأن الشارع إنما يطلق لفظه على عرفه وهو الشرعي، ونفي الحسي منتفٍ لوجود الفعل حسًّا، ويحتاج فيه إلى إضمارٍ لتصحيح اللفظ، وهو المسمى بدلالة الاقتضاء، وينشأ منه النظر في كون اللفظ عامًّا، أو مجملًا، وظاهرًا في بعض محامله، وحمله على نفي الحقيقة الشرعية أولى؛ لعدم الإضمار.
فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد الخدري هذا:"لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفعَ الشمسُ"، وفيه زيادة على نفي الفعل، وهي مَدُّ الكراهة إلى ارتفاع الشمس، وليس المراد مطلق الارتفاع عن الأفق، بل الارتفاع الذي تزول عنه صفرة الشمس، أو حمرتها، وهو مقدر برمح أو رمحين.
وقوله:"لا صلاة" عام في كل صلاة، وخصّه الشافعي ومالك: بالنوافل، ولم يقولا به في الفرائض والفوائت، فهي جائزة في سائر الأوقات، وأبو حنيفة يقول بامتناعها، وهو أدخل في العموم، إلا أنه قد يعارض بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها، فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها"(١)، وكونه جعل ذلك وقتًا لها،
(١) رواه البخاري (٥٧٢)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ومسلم (٦٨٤)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.