للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صلاةِ الفَذِّ"، مشعرة به، ثم المراد بالفذ: إِذا لم يكن معذورًا بترك الجماعة؛ لمرض، أو سفر، ونحوهما.

أما إذا كان معذورًا بذلك؛ فهل يقع التفاضل بينه، وبين الصلاة في جماعة؟

إن جعلنا الألف واللام، في الفذ؛ تعريفًا للعموم: اقتصر التفاضل بينهما؛ فيدخل تحته: الفذُّ المصلي بعذر، وغيرِ عذر، لكن المعذور يكتب له أجر الجماعة؛ إذا كانت صلاته في الجماعة في حال صحته، وإقامته.

لما روى البخاري في "صحيحه" من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُكْتَبُ للمسافر والمريض ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا" (١)، والله أعلم.

وفي الحديث فوائد:

منها: المفاوتة في الفضائل في الجماعة؛ في الصلاة، وغيرها.

ومقتضى مذهب مالك: عدمُ التفاوت في الجماعة للصلاة؛ كما تقدم، واستدل لذلك: بأنه لا مدخل للقياس في الفضائل، والحديث إذا دل على الفضل مقدار معين، مع امتناع القياس، اقتضى الاستواء في العدد المخصوص، في الفضل؛ فيدخل تحته كل جماعة، سواء كانت كبرى، أو صغرى، والتقدير واحد؛ بمقتضى العموم.

لكن صريح الحديث المتقدم دليلٌ على التفاوت، فبطل استدلالهُم.

ومنها: أن الجماعة ليست بفرض عين، ولا شرط للصلاة؛ لما تقدم أن صيغة أفعل التفضيل تقتضي الاشتراك في الفضل؛ وهو يقتضي وجود فضيلة في صلاة الفذ، وما لا يصح لا يقتضي ذلك؛ ولذلك نقول، في انتفاء المشروط: بانتفاء الشرط؛ فدل على عدم شرطيتها.


(١) رواه البخاري (٢٨٣٤)، كتاب: الجهاد والشر، باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، بلفظ: "إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>