للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتخصيص هاتين الصلاتين بكونهما أثقلَ؛ لقوة الداعي إلى ترك الجماعة، والصارف عن الحضور:

أَما العِشاءُ: فلأنها وقتُ الإيواء إلى البيوت، والاجتماعُ مع الأهل، واجتماعُ ظلمةِ الليل، مع طلب الراحة من متاعب السعي بالنهار.

وأما الصبحُ: فلأنها وقتُ لذةِ النوم، خصوصًا في شدة البرد؛ لبعد العهد بالشمس؛ لطول الليل، أو في زمن الحر؛ فهو وقت البرد، والراحة من أثر حر الشمس؛ لبعد العهد بها.

فلما قوي الصارف، ثقلت على المنافقين، وأما المؤمن الكامل الإيمان؛ فهو عالم بزيادة الأجر؛ لزيادة المشقة، فيكون ذلك داعيًا له إلى الفعل؛ كما كان صارفًا للمنافقين، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلمونَ ما فيهما"؛ أي: من الأجر والثواب، "لأتوْهما، ولو حَبْوًا"؛ فالمؤمن: رجا ثواب الله، وتيقنه، وخاف عقابَ الله، واتقاه، والمنافق: كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} الآية [النساء: ١٤٢].

وقال الحسن البصري: من النفاق؛ اختلاف اللسان والقلب، واختلاف السر والعلانية، واختلاف الدخول والخروج (١).

وقال الأوزاعي: المؤمن يقول قليلًا، ويعمل كثيرًا، والمنافق يقول كثيرًا، ويعمل قليلًا (٢).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولو يَعْلَمونَ ما فيهما؛ لأتوهما، ولو حَبْوًا"؛ أي: لو يعلمون ما في فعلهما جماعةً في المسجد؛ من الأجر والثواب، وفي تركهما؛ من العقاب، لأتوهما؛ أي: لجاؤوا إليهما، ولو حبوًا؛ أي: محتبين، يزحفون على إلياتهم، من مرضٍ أو آفةٍ، أو حبوًا: كحبوِ الصغير على يديه ورجليه.


(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٦٤٢).
(٢) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٦/ ١٤٢)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٣٥/ ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>