للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولقد هَمَمْتُ أن آمرَ بالصلاةِ، فَتُقامَ، ثم آمُرَ رجلًا بصلِّي بالناس" إلى آخره؛ الهمُّ بالشيء، غيرُ فعله.

واختلف في الألف واللام، في "الصلاة"؛ هل هي لمعهودِ صلاةٍ، أو للجنسِ؟

فمن قال: للعهد، اختلف فيها؛ ففي رواية: أنها العشاء، وفي رواية: أنها الجمعة.

ومن قال: للجنس؛ حملَه على جميع الصلوات، مطلقًا؛ وكلُّه صحيح لا منافاة فيه.

ثم اختلف في هؤلاء القوم؛ المتخلفين عن الصلاة:

فقيل: كانوا منافقين، وسياقُ الحديث يقتضيه؛ فإنه لا يظن ذلك بالمؤمنين من الصحابة؛ من تركهم الصلاةَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي مسجده.

وقيل: يحتمل أن ذلك التهديد لقوم مؤمنين، صلوا في بيوتهم؛ لأمر توهموه مانعًا، ولم يكن كذلك، ويؤيد هذا التأويل؛ ما رواه أبو داود زيادة على هذا الحديث، فقال: "لقد هَمَمْتُ أن آمرَ فِتْيتي، فَيَجْمَعوا حُزَمًا من حَطَبٍ، ثم آتيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ في بُيوتهم؛ ليستْ بهم عِلَّة؛ فَأُحَرِّقَها عَلَيْهِمْ" (١)، والمنافقون لا يصلُّون في بيوتهم؛ إنما يصلُّون في الجماعة؛ رياءً وسمعة، وأما إذا خَلَوا؛ فكما وصفَهم الله: من الكفر، والاستهزاء.

وعلى هذا التأويل تكون هذه الجماعةُ المهدَّدُ على التخلُّف عنها: هي الجمعة؛ كما نصَّ عليه في حديث عبد الله بن مسعود؛ فيُحمل المطلقُ منها، على المقيد.

وهَمُّهُ - صلى الله عليه وسلم - بإتيانهم بعدَ إقامة الصلاة، برجلٍ يصلِّي بالناس؛ لتتحقق مخالفتُهم، وتخلفهم؛ فيتوجَّهَ اللومُ عليهم.


(١) رواه أبو داود (٥٤٩)، كتاب: الصلاة، باب: في التشديد في ترك الجماعة، ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>