منها: الدليلُ لمن قال: إن الجماعة فرضُ عين؛ ولا شك أنها كذلك في الجمعة، واختلف العلماء فيما عداها؛ من الصلوات الخمس:
فقال عطاءٌ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثورٍ، وابنُ المنذر، وابنُ خزيمة، وداودُ: الجماعةُ فرض عين، لكن اختلفتِ الرواية عن أحمدَ، وداودَ: هل هي فرض؛ بمعنى الشرط للصلاة، أم لا؟ والأظهرُ عن أحمد: أنها فرضُ عين، ليس بشرط.
وقال الأكثرون: هي سنة.
وقيل: فرض كفاية؛ وهو قول في مذهب الشافعي، ومالكٍ، وهو المختار عند جماعة من محققي أصحاب الشافعي.
وجه الدليل لمن قال: إنها فرض عين: هذا الحديث؛ فإنه إن قيل: إنها فرض كفاية؛ فهو كان قائمًا بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن معه، وإن قيل: إنها سنة؛ فلا تحريقَ، ولا قتلَ على تاركها؛ فتعين أنها: فرضُ على الأعيان.
وأجاب القائلون بأنها سنة، أو فرضُ كفاية: بأن التهديد على تركها؛ إنما كان لصفة النفاق، مع ترك الجماعة، لا لتركها فقط، ويشهد لذلك ما ثبت في "الصحيح": أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"ولو علمَ أحدُهم أنه يجدُ عظمًا سَمينًا، لشهدَها"؛ يعني: العشاء (١).
ومعلوم أن ذلك؛ ليس صفة للمؤمنين، لا سيما أكابر الصحابة، وإذا كان ذلك للمنافقين؛ كان التحريقُ للنفاق، لا لتركِ الجماعة؛ فلا يتمُّ الدليل، مع أن الترتيب على وصفين لا يجوز أن يترتب على أحدهما.
وقال القاضي عياض: وقيل هذا في المؤمنين، وأما المنافقون؛ فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - معرِضًا عنهم غالبًا، ولهذا لم يعاقبْهم في التخلف معاقبةَ كعبٍ
(١) رواه مسلم (٦٥١)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة.