والثاني: ما أنزلَ الله فيه جملةَ كتابَ، فبيَّنَ عن الله تعالى معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها، أعامًّا أم خاصًّا؟ وكيف أراد أن يأتي به العباد؟
والثالث: ما سنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ممَّا ليس فيه نصُّ كتاب، فمنهم من قال: جعله تعالى بما افترض من طاعة، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نصُّ كتاب.
ومنهم من قال: لم يَسُنَّ سنةً قطُّ إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته لتبيين عددِ الصلاة وعملها عن أصل حمله فرض الصلاة، وكذلك ما سَنَّ من البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله تعالى قال:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}[النساء: ٢٩]، وقال:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥]، فما أحل وحرم، فإنما بين فيه عن الله تعالى كما بيَّنَ الصلاة.
ومنهم من قال: بل جاءت به رسالة الله -جل ثناؤه-، فأثبت به سنة بفرض الله -عزَّ وجلَّ-.
ومنهم من قال: أُلقي في روعه كل ما سن، وسنته الحكمة التي ألقيت في روعه من الله -جل ثناؤه-.
هذا آخر كلام الشافعي في "المدخل"(١)، والله أعلم.
وقال غيره: سنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قولُه، أو فعلُه، أو حالُه، أو تقريره لما اطلع عليه - صلى الله عليه وسلم - من القول والفعل الحال بحضرته وسكت عليه، والله أعلم.
فالحاصل أن السنة في المعنى الشرعي أمرٌ بين الغُلُوِّ والإهمال، فلا يتنطع متعاطيها، ولا يبخل مترخصيها، بل هي حالة بين حالتين، وهي حال ساداتِ الأمة وسلِفها، والقدوةِ من أهلها وخلِفها، فنسأل الله التوفيق لذلك، وأن يهديَنا لأحسن المسالك.
(١) ورد هذا الكلام بمعناه في كتاب: "الرسالة" للإمام الشافعي (ص: ٢١) وما بعدها.