للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسعودٍ قاصٌّ يجلس بالليل ويقولُ للناس: قولوا كذا، وقولوا، فقال: إذا رأيتموه، فأخبروني، قال: فأخبروه، فجاء عبدُ الله متقنِّعًا، فقال: من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود، تعلمون إنكم لأهدى من محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه (١)، وفي رواية: "لقد جئتم ببدعةٍ ظلمًا" أو: "لقد فضلتم أصحابَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه علمًا" (٢)، وإنما أنكر ذلك؛ لأنه رآه من باب الزيادة في العبادات، مع أنه داخل تحتَ العمومات في فضيلة الذكر.

ولا شك أن ذلك جميعَه -بتقدير ثبوته عنهم- محمولٌ على أنه لم تبلغهم الأحاديثُ الخاصة فيه، أو أنه اقترن به أمرٌ من رياءٍ، أو ترك واجب شرعي، أو استدراج بذلك إلى مفاسدَ علموها، وإلا فالأحاديثُ الصحيحة ثابتة بالأمر بالذكر، فرادى ومجتمعين، والحث عليه، وعلى صلاة الضحى، والدعاء في الصلاة؛ لحديث أبي بكر - رضي الله عنه -: علمني دعاءً أدعو به في بيتي وفي صلاتي (٣).

وحديث: "إنّ لله تعالى ملائكةً سياراتٍ فضلاءَ، يطلبون حِلَقَ الذكر، فإذا وجدوها، قالوا: هلموا إلي طِلْبَتِكُم" (٤)، وكذلك القنوتُ في الصبح وغيرها.

وهذا كلُّه راجع إلى معرفة وجوه السنة، وما هي، وقد بين ذلك الشافعي -رحمه الله- أحسنَ بيان، فيما رويناه في كتاب "المدخل إلى معرفة السنن" للبيهقي -رحمه الله- بإسنادنا إليه، ثم إلى الربيع، قال: أنا الشافعي: وسُنَّةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثلاثة أوجه:

أحدها: ما أنزل الله تعالى فيه نصَّ كتاب، فسنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل نَصِّ الكتاب.


(١) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (٨٦٢٩)، من طريق عبد الرزاق في: "المصنف" (٥٤٠٨).
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (٨٦٣٠)، من طريق عبد الرزاق في "المصنف" (٥٤٠٩).
(٣) رواه البخاري (٧٩٩)، كتاب: صفة الصلاة، باب: الدعاء قبل السلام، ومسلم (٢٧٠٥)، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر.
(٤) رواه البزار في "مسنده" (١٠/ ٧٧ مجمع الزوائد للهيثمي)، وأبو نعيم في: "حلية الأولياء" (٦/ ٢٦٨)، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - بلفظ نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>