قال برفعهما، ومن نظر إلى التوقيف والتعبد، قال بالمنع، كيف والصلاة تُصانُ عن زيادة عمل بغير دليل خاصٍّ فيه صحيحٍ، فإذا لم يصحَّ فيه حديثٌ خاصٌّ، كان دليلُ صيانةِ الصلاة عن زيادةِ عمل أخصَّ من دليلِ رفع اليدين في الدعاء مطلقًا.
ثم المحدَثُ قد يكون محرَّمًا، وقد يكون مكروهًا، ويختلف ذلك باختلاف نفس الشرع فيه من التشديد بالنسبة إلى ذلك الجنس والتخفيف، فإنا إذا نظرنا إلى البدع المتعلقة بأصول العقائد، لم تكن مساويةً للبدع المتعلقة بأحكام الشريعة الفروعية، ولا شك أن الناس من العلماء الأصوليين والفروعيين قد تباينوا تباينًا كثيرًا في الكلام على البدع والتشديد فيها، حتى إن بعض العلماء من المالكية مرَّ بقوم يصلُّون في إحدى ليلتي الرغائب في رجب، والتي في نصف شعبان، وبقوم عاكفين على محرَّم، فحسب حالهم على المصلين لتلك الصلاة، وعلَّل بأنهم عالمون بارتكاب المعصية يرجون الاستغفار والتوبة، والمصلُّون لتلك الصلاة معتقدون أنهم في طاعة، فلا يتوبون ولا يستغفرون.
والقياس في هذا يرجعُ إلى العُمومات الشرعية أو دليلٍ خاصٍّ عليه، وميل المحققين من العلماء إلى ذلك.
وقد ثبت عن السلف من الصحابة والتابعين ما يؤيده؛ كجعل ابن عمر - رضي الله عنهما - صلاةَ الضحى بدعةً؛ حيث لم يثبت عنده فيها دليل بإدراجها تحت عموم الصلاة؛ لتخصيصها بوقت مخصوص، ولذلك قال في القنوت الذي فعل في عصره: إنه بدعة، ولم يرَ إدراجه تحت عموم الدعاء.
وكذلك نقل الترمذي عن عبد الله بن المغفَّل، لابنه في الجهرِ بالبسملةِ:"إياكَ والحدثَ"(١)، وَلم يرد إدراجه تحت دليل عام.
وكذلك ما خرجه الطبراني بسنده عن قيس بن أبي حازم قال: ذُكر لابن
(١) رواه الترمذي (٢٤٤)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في ترك الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقال: حسن، وابن ماجه (٨١٥)، كتاب: إقامة الصلاة، باب: افتتاح القراءة، والإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٥٥).