للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شكَّ أنه لا تشرع إجابة المؤذن؛ لمن هو في صلاة فريضة، أو نافلة؛ فأما من هو في غير صلاة، فتشرع له إجابته؛ ولا تكره في حالة، أو وقت من الأوقات، إلا في حالة نهى الشرع عن الذكر فيها؛ فلو أجابه في الصلاة، فهل يكره؟ فيه قولان للشافعي -رحمه الله-:

أظهرهما: الكراهة؛ لأنه إعراض عن الصلاة، ولا تبطل به، إلا بقوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، والصلاة خير من النوم؛ لأنه كلام آدمي.

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذهِ الصلاةَ لا يصلُحُ فيها شيءٌ من كلام الناس" (١)، وقد ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنه قال: "الطواف بالبيت صلاة، إلا أن اللهَ تعالى، أباحَ فيه الكلام" (٢)؛ فمقتضى هذين الحديثين: تحريمُ كلام الآدميين في الصلاة.

فأما بُطلان الصلاة فيه؛ فهو متعلِّق بمن كان عالمًا بتحريمه، متعمدًا؛ فلو كان ناسيًا، أو جاهلًا، لم تبطل.

فلو سمعه في الصلاة، وهو في قراءة الفاتحة، كُرهت الإجابة قطعًا، من غير خلاف، إذا كانت بالأذكار فقط، ولا تبطل الصلاة، بل تبطل قراءة الفاتحة، ويجب استئنافُها؛ لوجوب الموالاة فيها، وهو معذور بقطع الموالاة؛ بالتنفس، ونحوه، وبما هو من مصلحة قراءتها؛ من التعظيم والإجلال لله تعالى، وسؤاله -سبحانه وتعالى-؛ فإن ذلك لا يقطع موالاتها.

فلو أجاب فيها -أعني الصلاة- بالحوقلة، دون الحيعلة؛ لم تبطل أيضًا.

وفي مذهب مالك: إذا أجاب بالحيعلة في الصلاة، هل تبطل به؟ قولان:

أحدهما: أنه كلام آدمي، مخاطبة له بالمجيء إلى الصلاة؛ فأبطل، بخلاف بقية ألفاظ الأذان؛ التي هي ذكر، والصلاة محل ذكر.


(١) رواه مسلم (٥٣٧)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، عن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه -.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٢٨٠٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٥/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>