ومقتضى القواعد: أنه لا يلزمه الإعادة، خصوصًا إذا خاف فوتَ الوقت؛ لأنه أتى بما أمر به، على حسب استطاعته، والإعادة والقضاء إنما يجبان بأمر محدود، والله أعلم.
وفي هذه الروايات:
دليل على: جواز التنفُّل على الدابة في السفر، حيث توجهت، ولا يشترط استقبال القبلة فيها؛ سواء كانت نافلة مطلقة، أو راتبة؛ وهو جائز بإجماع المسلمين، ويجوز في قصير السفر، وطويله؛ عند الشافعي، وجمهور العلماء.
وقال مالك، في رواية عنه: لا يجوز التنفل على الدابة في السفر، إلا في سفرٍ تُقصر فيه الصلاة؛ وهو قول غريب محكيٌّ عن الشافعي.
واعلم: أن شرط جواز التنفل على الدابة في السفر: ألا يكون سفر معصية؛ فلا يجوز لعاص بسفره الترخُّصُ بشيء من رخص السفر؛ كمن سافر لقطع الطريق، أو لقتال بغير حق، أو عاقًّا والده، أو آبقًا من سيده، أو ناشزةً على زوجها، ونحوهم، إلا التيمم؛ فإنه يجب عليه، إذا لم يجد الماء، ويصلي، وتلزمه الإعادة؛ على الصحيح من مذهب الشافعي؛ تغليظًا عليه، فإن له طريقًا إلى الخلاص من الإعادة، بالتوبة في الحال.
ولا شك أن السبب في جواز التنفل على الدابة في السفر: تيسيرُ تحصيل النوافل، وتكثيرها؛ فما ضيق طريقه قل، وما اتسع طريقه سهل؛ فاقتضت رحمة الله تعالى للعباد: أن تقلل الفرائض عليهم؛ تسهيلًا للكلفة، وفتحَ لهم -سبحانه وتعالى- طريقَ التكثير للنوافل؛ تعظيمًا للأجور، أو جبرًا للنقص المحذور.
واشترط بعض الفقهاء من الشافعية: أن يكون توجهه إلى جهة مقصده، في سفره؛ ليكون بدلًا له عن القبلة؛ فلو توجه إلى غير جهة مقصده، في المسير: لم يجز له التنفل؛ وذلك مأخوذ من فعله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يسبح؛ حيث كان وجهه، على راحلته، والله أعلم.