لكن قد يقال: إن وقت الفريضة مما يكثر على المسافرين؛ فترك الصلاة لها على الراحلة دائمًا، مع فعل النوافل على الراحلة؛ إشارة إلى الفرقان بينهما، في الجواز، وعدمه، مع تأييد المعنى؛ من كون الصلوات المفروضة قليلة محصورة؛ لا يؤدي النزول عن الراحلة لها إلى نقصان المطلوب؛ والنوافل المطلقة لا حصر لها؛ فيؤدي النزول إلى ترك المطلوب من تكثيرها، مع اشتغال المسافر.
ودليل الجمهور: هذه الأحاديث.
فإن قيل: مذهب الشافعي أن الوتر واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قلنا: وإن كان واجبًا عليه، فقد صح فعلُه على الراحلة؛ فدلَّ على صحته منه على الراحلة، ولو كان واجبًا على العموم، لم يصحَّ على الراحلة؛ كالظهر.
فإن قيل: الظهر فرض، والوتر واجب، وبينهما فرق، قلنا: هذا الفرق اصطلاح منكم، لا يسلمه لكم الجمهور، ولا يقتضيه شرع، ولا لغة، ولو سلم، لم يحصل به هنا غرضكم، والله أعلم.
وقوله:"غيرَ أنَّه لا يصلِّي عليها المكتوبةَ"؛ المكتوبةُ نعت للصلاة، وحذفت لدلالته عليها، ونعتَها بالمكتوبة، دون المفروضة؛ اتباعًا للفظ القرآن، في قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء: ١٠٣].
وأجمعت الأمة على أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة، ولا على الدابة، إلا في شدة الخوف.
فلو أمكنه استقبال القبلة، والقيام، والركوع، والسجود، على دابة واقفة عليها هودج، أو نحوه: جازت الفريضة؛ على الصحيح من مذهب الشافعي.
ولو كانت سائرة: لم تصح؛ على الصحيح المنصوص للشافعي، وقيل: يصح؛ كالسفينة؛ فإنها تصحُّ فيها الفريضةُ بالإجماع.
ولو كان في ركب، وخاف لو نزل للفريضة، انقطع عنهم، ولحقه الضرر، قال أصحاب الشافعي: يصلي الفريضة على الدابة، بحسب إمكانه، ويلزمه إعادتها؛ لأنه عذر نادر.