ويبعد عادةً أن أهل قباء؛ مع قربهم من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإتيانهم إليه، ومراجعتهم له؛ أن يكون مستندهم في استقبال بيت المقدس بالصلاة؛ الخبر عنه - صلى الله عليه وسلم -، من غير مشاهدة لفعله، أو مشافهة من قوله، مع طول المدة؛ وهي ستة عشر شهرًا.
ولو سلم الامتناع في العادة، لم يسلم عدمُ إمكان ذلك، والمحتمِلُ لأمرين لا يتعين حملُه على أحدهما؛ فلا يتعين استقبالهم بيتَ المقدس على خبر الواحد عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ بل يجوز أن يكون عن مشاهدة، وإذا جاز انتفاء أصل الخبر؛ جاز انتفاء خبر التواتر؛ لأن انتفاء المطلق يلزم منه انتفاءُ قيوده، وإذا جاز انتفاء خبر التواتر؛ لم يلزم أن يكون الدليل منصوصًا في المسألة المفروضة.
واعترض على ما ذكر بوجهين:
أحدهما: أن المدعى امتناعُ كون مستندِ أهل قباءَ مجرد الخبر، من غير مشاهدة، إن صح، إنما يصح في جميعهم؛ فأما في بعضهم، فلا يمتنع في العادة، كون مستنده الخبرَ لا التواتر.
الثاني: أن ما ابتدئ، من جواز استنادهم إلى المشاهدة يقتضي أنهم أزالوا القاطع بالمظنون؛ فإن المشاهدة قطع، وإذا جاز إزالة المقطوع به بالمشاهدة بخبر الواحد، فمثله زوال المقطوع بالمظنون، وأجيب عن الأول بأنه إذا سلم امتناعه على جميعهم، لزم استنادهم إلى التواتر؛ فلا يتعين حمل الحديث عليهم.
فإن قيل: وما يقتضي الجميع؛ فيقتضي استناد بعض من استدار إلى التواتر؛ فيصح الاحتجاج؟
أجيب: بأنه لا شك بإمكان استنادهم كلهم إلى المشاهدة، ومع هذا، فلا ينبغي حمل الحديث عليه، إلا أن يتبين استناد الكل، أو البعض إلى الخبر بالتواتر، ولا سبيل إلى ذلك.
وعن الثاني بوجهين:
أحدهما: أنه ليس المراد إثباتَ المسألة المعينة بطريق القياس على