إلى الشام: وما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام، وما كنا نصلي إلى غير قبلة.
فحيئذ، يكون تركه - صلى الله عليه وسلم - أمرَ البراء بالإعادة؛ لتأول البراء فيه، وعلم ذلك عند الله -سبحانه وتعالى-، وتأويله في توجهه إلى الكعبة له أصل صحيح، ومنزع حسن؛ فإنهم كانوا قد تقرر في أذهانهم وعلمهم: أن هذا النبي المبعوث في عصرهم؛ هو على ملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -.
ودين إبراهيم الحنيفية، وقبلته الكعبة؛ كما أخبرهم أحبار اليهود؛ الذين ذمهم الله في كتابه المجيد، على كتم ما علموا، أو كفر ما عرفوا، ولعنَهم على إصرارهم على ذلك؛ فقال سبحانه:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[البقرة: ٨٩].
فصلى البراءُ إلى الكعبة؛ اتباعًا لما علمه من علماء اليهود، مستصحبًا لأصل الحكم في ذلك، ورجحه على ما وجد فيه التردد عنده، في ثبوته، والاختلاف في صحته، ووجوده؛ وهو وجه من وجوه التراجيح؛ فهذا ملخص كلامه -رحمه الله- في ذلك، والله أعلم.
ثم في حديث الكتاب فوائدُ أصولية وفروعية:
أما الأصولية، فمنها: قبولُ خبر الواحد؛ وهو معمول به، معتدٌّ به عند الصحابة -رضي الله عنهم-، وهَلُمَّ جَرًّا، وليس المقصود من ذلك إثباتَ الشيء بنفسه؛ بل ذكره مثال من جهة الأمثلة التي لا تحصى؛ فيثبت بالمجموع القطع، بقبولهم خبر الواحد.
ومنها: نسخُ الكتاب والسنة المتواترة، هل يجوز بخبر الواحد، أم لا؟
والأكثرون: على المنع؛ لأن المقطوعَ لا يُزال بالمظنون.
ونقل عن الظاهرية: الجواز، واستدل له بهذا الحديث؛ ووجهه: أنهم عملوا بخبر الواحد، من غير إنكار من النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم، وفيه نظر؛ من حيث فرض المسألة، وأنها مفروضة، في نسخ الكتاب والسنة المتواترة، بخبر الواحد.