هكذا روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من طريق صحيحة، وقد روى أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" في هجرة البراء بن معرور، وكعب بن مالك إلى مكة، عام بيعة العقبة؛ ما يدل على ذلك؛ وهو: أن البراءَ بنَ معرور - رضي الله عنه - رأى ألا يجعل الكعبة وراء ظهره في صلاته، وأنه شاور في ذلك كعبًا؛ فلم يوافقه، وأنه بقي في نفسه من فعله حتى قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو وعمُّه العباس جالسين بمكة، فسلم هو وكعب عليه - صلى الله عليه وسلم -، في قصة طويلة، قال البراء بن معرور: يا رسول الله! إني صنعت في سفري هذا شيئًا، أحببت أن تخبرني عنه؛ فإنه قد وقع في نفسي منه شيء؛ إني قد رأيت ألا أجعل هذه البنية مني بظَهْر، وصليت إليها، ومنعني أصحابي، وخالفوني؛ حتى وقع في نفسي من ذلك ما وقع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَما إِنَّكَ قد كنتَ على قبلةٍ، لو صبرت عليها"، قال: ولم يزده على ذلك الحديث.
قال أبو حاتم: أما تركه - صلى الله عليه وسلم - أمرَ البراء بإعادة الصلاة التي صلاها إلى الكعبة، حيث كان الفرض عليهم استقبالَ بيتِ المقدس؛ لأن البراء أسلم لما شاهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يأمره بإعادة تلك الصلاة، من أجل ذلك (١).
قال شيخنا الحافظ أبو اليمن بن عساكر -رحمه الله- كلامًا، مقتضاه: أن البراء - رضي الله عنه -، كان مسلمًا قبل هجرته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة، هو ومن معه من الأنصار، وكانوا يسمون الأنصار في ذلك الوقت: الخزرج، ويدعون أوسَها وخزرجَها به، والقضاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر؛ وهذه واقعة عين، ووقائع الأعيان تحتمل وجوهًا من التأويل.
واحتمال تأويل هذا الإمام -رحمه الله- مُتَّجه، لولا أن سياق القصة يدل على خلافه؛ بل يصرح بخلاف تأويله، واستدل على قوله بأحاديث، واستشهد عليه بشواهد، يطول الكلام بذكرها؛ منها قولهم له في محاجته، في تركه التوجه
(١) رواه ابن حبان في "صحيحه" (٧٠١١)، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٤٦٠)، وابن خزيمة في "صحيحه" (٤٢٩)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٩/ ٨٧).