للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو ليخالفنَّ اللهُ بينَ وجوهِكم"، اختلف في معنى المخالفة للوجوه؛ هل هو بالصورة، أو بالمعنى؟

فمنهم من قال بالصورة؛ ومعناه: يَمسخ الوجوه، ويُحولها عن خلقتها؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَما يخشى الذي يرفعُ رأسَهُ قبلَ الإمامِ أنْ يجعلَ اللهُ صورَته صورةَ حمارٍ؟ " (١)، وقيل: يغير صفتها.

ومنهم من قال بالمعنى؛ والمراد بالوجوه: القلوب؛ فإن تقدم الشخص على المصلي إلى جنبه، أو على الجماعة، يوغر صدورهم، خصوصًا إن كان غيرَ أهلٍ للتقدم في الإمامة؛ وذلك موجبٌ لاختلافِ قلوبهم، فعبر عنه باختلاف وجوههم؛ لكونه يلزم من تغير القلب تغيرُ الوجه غالبًا، فلما كان لازمًا له، عبر به عنه.

والمراد: ما يحصل في القلوب بسبب ذلك؛ من العداوة والبغضاء، وكلاهما سبب للاختلاف في البواطن، الذي سببه الاختلافُ في الظواهر؛ بعدم التسوية في الصفوف، وينشأ عن ذلك الضغائنُ والأحقاد؛ وهذا كما يقال: تغير وجهُ فلان عليَّ؛ أي: ظهر لي من وجهه كراهةٌ لي، وتغير قلبه علي، والله أعلم.

وقد يعبر بالمخالفة في الوجه؛ عن اختلاف المقاصد، وتباين النفوس؛ فإن من تباعد مع غيره، وتنافر، رُئي بوجهه تغير؛ فيكون المقصود: التحذيرَ من وقوع التباغض والتنافر، والله أعلم.

وقوله: "حتى إذا رأَى أَنا قد عَقَلْنا"، معناه: أنه - صلى الله عليه وسلم - راقبهم في التسوية، حتى ظهر له فهمُهم المقصود منها، وامتثالُهم له.

وقوله: "فقامَ حتَّى كادَ أن يُكَبِّرَ، فرأى رجلًا بادِيًا صدرُه من الصف؛ فقالَ: عبادَ الله! لتسونَّ صفوفَكم"؛ هذا تفسير لشدة مراقبته - صلى الله عليه وسلم - لهم، في التسوية


(١) رواه البخاري (٦٥٩)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إثم من رفع رأسه قبل الإمام، ومسلم (٤٢٧)، كتاب: الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>