للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّا لو قبلنا إرسالَ تابعي، وإن كان ثقة فاضلًا، على حسن الظن، لزمنا قبولُ مثله عن أتباع التابعين، ومتى قبلنا ذلك؛ لزمنا قبول مثله عن الأتباع، ومتى قبلنا لزمنا قبول مثل ذلك، عن تباع التبع، ومتى قبلنا ذلك؛ لزمنا أن نقبل من كل إنسان إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وفي هذا نقض الشريعة.

والعجب ممن يحتج بهذا المرسل، وقد قدح في روايته الإمام أبو حنيفة - رحمه الله -، قال: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذبَ من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء قط من رأي، إلا جاءني به بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينطق بها؛ فهذا أبو حنيفة يجرح جابرًا الجعفي، ويكذبه، ضد من انتحل، من أصحابه مذهبه؛ هذا آخر كلامه، والله أعلم (١).

واحتجوا -أيضًا- بترك الخلفاء الراشدين الإمامة؛ من قعود، وهو ضعيف؛ فإن ترك الشيء لا يدل على تحريمه، ولعلهم اكتفوا بالاستنابة للقادرين، وإن كان وقع الاتفاق على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة، وأن الأولى تركها؛ فذلك سبب ترك الخلفاء الإمامة من قعود.

ومن العلماء من قال: إن إمامة الجالس كانت خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ضعيف، فالأصل عدم ذلك حتى يدل الدليل عليه.

واحتج الشافعي، ومن قال بقوله؛ أنه لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائمًا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في مرض وفاته بعد هذا قاعدًا، وأبو بكر والناس خلفه قيام.

وهذا هو الصواب؛ فقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث عائشة - رضي الله عنها - في صلاة أبي بكر بالناس، قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس جالسًا،


(١) انظر: "صحيح ابن حبان" (٥/ ٤٧٢ - ٤٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>