للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر (١).

وقد تقدم أن الذي خرج معه في تلك الحال: بَريرةُ وثوبة، إلى أن أجلستا النبي - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه عن يسار أبي بكر؛ فعائشة وهما أعلم بذلك من غيرهن، وقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلونه ناسخًا لما قبله؛ وهذا قول البخاري، والجمهور، وزعم بعض العلماء؛ أن أبا بكر كان هو الإمام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مقتدٍ به، لكن الصواب: الأول.

وقد تقدم أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجلوس وراءه في الصلاة كان متقدمًا، في آخر سنة خمس من الهجرة، وصلاة أبي بكر - رضي الله عنه - خلفه قائمًا؛ في آخر مرض وفاته، في أوائل سنة إحدى عشرة، وأن العلة في منع صلاة القائم خلف القاعد؛ لمخالفة فارس والروم في قيامهم خلف عظمائهم؛ فلما عقلوا ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم -، ردهم إلى ما هو مطلوب للشرع أيضًا؛ وهو أنه لا يترك واجب لأجل موافقة الإمام، من غير معارضة ما هو أهم منه.

فإن تعظيم الرب - سبحانه وتعالى -؛ هو المطلوب الأعظم، وعدم مشاركة غيره له في ذلك؛ فإذا تحقق العبد ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى؛ من التوحيد، والإجلال، والتعظيم، لزمه القيام بامتثال أمره، واجتناب نهيه، ومما أمر به القادر القيامُ في الصلاة الفرضية، ومتابعة الإمام؛ فإذا عجز الإمام، لا يتركه المأموم لأجله.

قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] , وثبت في "الصحيحين": أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمرتُكم بأمرٍ، فافعلوا منه ما استطعتم" (٢).

وتأول بعضهم قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا صلَّى جالسًا، فصلوا جلوسًا أجمعين"؛ على


(١) رواه مسلم (٤١٨)، كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما مَنْ يصلي بالناس، والبخاري أيضًا (٦٨١)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>