للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن لا يلزم من قول عبد الله بن يزيد ذلك في خطبته، ألا يكون أبو إسحق قاله في روايته للحديث؛ إما اقتداء بعبد الله، وإما ابتداء؛ تنبيهًا على تقوية الحديث، وقبوله، وتفخيمه في النفس؛ للعمل به، وتبليغه.

كيف، وقد أضاف ابنُ معين قوله: "حدثني البراء؛ وهو غير كذوب" إلى ابن إسحق، وابنُ معين من الحفاظ الكبار؟! وتخطئته في ذلك؛ لكونه في تزكية البراء، يؤدي إلى الشك في روايته، بتزكيته؛ وهو تابعي، والبراء صحابي؛ والعادة أن الأكبر يزكي من دونه، لا أن الصغير يزكي من فوقه؛ غير لازم، إلا أن يأتي نقل صريح، في هذا الإسناد؛ أنه من كلام عبد الله بن يزيد، لا من كلام أبي إسحق؛ فيجب الرجوع إليه.

وقد بينا أن المتكلم، أو الراوي يفخم؛ لقصد تفخيم كلامه، وأخذه بالقبول، وقد فعل ذلك الصحابة، والتابعون، وهلم جرًّا:

فقد فعله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو الصادق المصدوق (١)؛ وكذلك أبو هريرة - رضي الله عنه -؛ ومعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير محتاج إلى تزكيتهما، أو ثنائهما.

وكذلك فعله أبو مسلم الخولاني التابعي الجليل - رحمه الله -، قال: حدثني الحبيب الأمين عوفُ بنُ مالكٍ الأشجعيُّ، مع نظائر كثيرة لذلك.

فحينئذ يكون معنى الكلام: حدثني البراء؛ وهو غير كذوب؛ أي: غير مُتَّهم؛ كما علمتم، فثقوا بما أخبركم عن عبد الله، عنه.

ويكون ابن معين أخطأ في تعليله؛ أن البراء صحابي؛ وهو منزه عن هذا الكلام؛ فإنه لا وجه له؛ سواء كان القائل عبدَ الله بن يزيد، أو أبا إسحق، وأن المراد به: عبد الله بن يزيد فقط، كيف وعبدُ الله بن يزيد صحابي -أيضًا-؛ كما ذكرنا؟ لا في إضافة القول إلى أبي إسحق السبيعي؛ فإنه ثبت سماعه من كل


(١) رواه البخاري (٣٠٣٦)، كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، ومسلم (٢٦٤٣)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>