والفعلُ المبين للمجمل المأمور به يدخل تحت الأمر؛ فيدل بمجموع ذلك على الوجوب، لا لأن الفعل بمفرده يدل على الوجوب، وإذا كان المسلك ذلك، ووُجدت أفعالٌ غيرُ واجبة، وجب أن يُحال على دليلٍ آخر؛ دل على عدم وجوبها.
وفي ذلك بحث؛ وهو أن الخطاب المجمل تبيين بأول وقوع الأفعال، فلم يكن ما وقع بعده بيانًا له؛ لوقوع البيان بالأول، فتبقى أفعالًا مجردة لا تدل على الوجوب، إلا أن يدل دليل على أن الفعل المستدل به بيانًا؛ فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجوده، بل قد يقوم الدليل على خلافه.
كمن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل فعلًا؛ وهو من أصاغر الصحابة الذين لهم تمييز، بعد إقامته - صلى الله عليه وسلم - مدة للصلاة، مثلًا؛ فهذا مقطوع بتأخره، وكذلك من أسلم بعد مدة، وأخبر برؤية الفعل؛ فإنه حينئذ يتحقق تأخير الفعل.
لكنه قد يجاب عنه بأمر جدلي، لا يقوم مقام تأخر الفعل؛ وهو أنه دل الدليل من الحديث المعين، على وقوع هذا الفعل، والأصل عدم غيره؛ فتعين أن يكون بيانًا؛ وهذا قوي، فيما إذا وجدنا فعلًا لم يقم الدليل على عدم وجوبه، فأما إذا وجد: فإن جعلناه مبينًا عدم وجوبه؛ لزم النسخ بذلك الوجوب الذي ثبت، ولا شك أن مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ.
قولها:"يستفتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ"؛ يعني: بالتكبير الذي هو تحريمٌ للصلاة؛ كما ثبت:"تحريمُها التكبيرُ"(١)، ولا شك أن التحريم لا يحصل بالتكبير وحده، بل به وبالنية؛ وهما أمران: أحدهما: قائم بالقلب، والثاني: بالنطق؛ فيحتمل أنها عبرت بالأخص عن الأعم؛ للعلم به، ويحتمل أنها ذكرته؛ للتنبيه على تعين لفظ التكبير، دون غيره.
(١) رواه أبو داود (٦١)، كتاب: الطهارة، باب: فرض الوضوء، والترمذي (٣)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وابن ماجه (٢٧٥)، كتاب: الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور، عن علي - رضي الله عنه -.