فهذا خطاب لمالك بن الحارث، وأصحابه، والأمة تشاركهم في هذا الخطاب، وأن يوقعوا الصلاة على الوجه الذي أمروا بإيقاعها عليه؛ كما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي.
فما ثبت استمراره - صلى الله عليه وسلم - دائمًا؛ دخل تحت الأمر، وكان واجبًا، وبعض ذلك مقطوع باستمرار فعله له؛ وما لم يدل دليل على وجوده، في تلك الصلوات التي تعلق الأمر بإيقاع الصلاة على صفتها؛ لا يجزم بتناول الأمر له؛ فهذا كله يقال، من الجدل أيضًا، والله أعلم.
وقولها:"والقراءةَ بِـ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين"، فالقراءة: منصوب عطف على مفعول يستفتح؛ وهو: الصلاةَ، وبالحمدُ: مرفوع، على الحكاية.
وقد تمسك به مالك، وأصحابه؛ في ترك الذكر بين التكبير والقراءة؛ لأنه لو تخلل بينهما ذِكْر، لم يكن الاستفتاح بالقرآن؛ بـ: الحمدُ لله ربِّ العالمين.
واستدل به أصحاب مالك، وغيرهم؛ على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة، وأنها ليست منها.
وتأوله الشافعي، والأكثرون القائلون بأنها من الفاتحة؛ على أن المراد: يستفتح القراءة بسورة الحمد، لا بسورة أخرى، وقد قامت أدلة؛ على أن البسملة منها:
الأول: ثبوتها في المصحف الكريم.
الثاني: ما رواه الشافعي، بإسناده إلى أم سلمة - رضي الله عنها -: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ بأمِّ القرآن، بدأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يعدها آية، ثم قرأ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، بعدَها ستُّ آيات (١).
وروى بإسناده، عن نعيم بن عبد الرحمن المجمر، قال: صليتُ خلفَ أبي
(١) ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ١٩٩)، وابن عبد البر في "الاستذكار" (١/ ٤٥٧).