للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "ثم يكبر حين يَهوي"؛ يقال: هَوَيْتُ إلى الأرض -بفتح الواو-؛ بمعنى: سقط؛ وكذلك يقال بمعنى: هلك، ومات؛ ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: ٨١]، ومن الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فهو يَهْوي في النارِ" (١)؛ أي: ينزل ساقطًا، يقال من السقوط: هوى يهوي.

وزعم بعضهم أن صوابه: أهوى إلى الأرض، وليس ذلك بشيء.

وقيل: أهوى؛ من قريب، وهوى؛ من بعيد.

ومعناه: ثمَّ يكبر حين يهوي ساجدًا" (٢)؛ وهو ثابت في "صحيح مسلم"، والكلام في ابتدائه وانتهائه؛ كالكلام فيما قبله، وكذلك الكلام فيما بعده.

وكذلك، يشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول؛ حين يشرع في الانتقال، ويمده حتى ينتصب قائمًا؛ هذا مذهبنا، ومذهب كافة العلماء، إلا مالكًا؛ فإنه قال: لا يكبر للقيام من التشهد الأول حتى يستوي قائمًا؛ وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز.

وظاهر هذا الحديث يخالف ذلك؛ لأنَّ محلّ قوله: "حين يقوم من الثنتين، بعد الجلوس" قبل الاستواء للقيام، ويرجح -أيضًا- من جهة المعنى؛ بشغل زمن الفعل بالذكر، والله أعلم.

وتقدم في الأحاديث قبله، وفي الكلام عليه؛ ما يتعلق بأحكامه، والله أعلم.

* * *


(١) قلت: المؤلف -رحمه الله- كثير النقل عن "مشارق الأنوار" للقاضي عياض، بل إن جَل مادته اللغوية مأخوذة منه، على أنه يختصر أحيانًا في عباراته، ومنها هذه، فقد قال القاضي -رحمه الله - (٢/ ٢٧٣)، وهو يشرح مادة (هوى): يقال من السقوط: هوى، ومنه: "فهو يهوي في النار"؛ أي: ينزل ساقطًا، كما جاء في الرواية الأخرى: "فهو ينزل بها في النار" ... إلى آخر كلامه. فلم يذكر أن قوله: "فهو يهوي في النار" من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذي دفع إلى هذا هو أني لم أر لفظ "فهو يهري في النار" في شيء من المصادر الحديثية التي بين يدي، والله أعلم بالصواب.
(٢) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (٢/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>