المحقق إلى الموازنة بين الظن المستفاد من عدم الذكر في المخالفة، وبين الظن المستفاد من كون الصيغة للوجوب.
قال شيخنا أبو الفتح القاضي -رحمه الله-: والثاني عندنا أرجح، والله أعلم (١).
ثم إذا تقرر أن عدم الذكر في الحديث يدل على عدم الوجوب، فقد استدلوا بهذا الحديث على مسائل، من حيث إنها غير مذكورة فيه:
منها: أن الإقامة غير واجبة، وقال بعض العلماء بوجوبها؛ لما ورد في بعض طرق الحديث الأمر بها، فمن استدل بعدم الذكر في الحديث على عدم الوجوب يحتاجُ إلى عدم رجحان الدليل الدال على وجوبها عند الخصم، فإن صحَّ الأمرُ بالوجوب، فقد عدم أحد الشرطين، وإن لم يصح، فقد تمَّ الدليل على عدم الوجوب، وإلا فيتعارض عدمُ الذكر والأمرُ بها لو صح، فينتفي الوجوب، ويبقى الندب.
ومنها: أن دعاء الاستفتاح غير واجب؛ لأنه لم يذكر في الحديث، ومن نقل من بعض المتأخرين من غير المنسوبين إلى مذهب الشافعي: أن الشافعي قال بوجوبه، فقد غلط ووهم.
ومنها: التعوذ ورفعُ اليدين في تكبيرة الإحرام، ووضعُ اليد اليمنى على اليسرى، وتكبيراتُ الانتقالات، وتسبيحاتُ الركوع والسجود، وهيئات الجلوس، ووضعُ اليد اليمنى على الفخذ، وغير ذلك مما لم يذكر في الحديث، ليس بواجب إلا ما ذكرناه من المجمَع عليه، والمختلف فيه.
ومنها: استدلال لبعض المالكية على عدم وجوب التشهد مما ذكرنا من عدم الذكر، وقد استدل به الحنفية على عدم وجوب السلام، لكن الدليل على وجوبه أقوى، وكذلك دليل إيجاب التشهد؛ للأمر به، هو راجح، وقد تقع المناظرة بين الرجحانين، بأن دلالة اللفظ على الشيء لا تنفي معارضة المانع الراجح؛ لكونها