للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعلم: أنه لم يتعين في هذه الرواية؛ في أي صلاة كان القول لمعاذ - رضي الله عنه -، لكن قد عرف أن معاذًا كان يطوِّل في عشاء الآخرة بقومه؛ فيكون ذلك دليلًا على: استحباب قراءة هذه السورة، أو قدرها فيها، لكن هذه السور أفضلُ من غيرها؛ للتحضيض عليها.

وكذلك ينبغي المحافظة على كل ما ورد: صحيحًا، أو حسنًا عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ من القراءة المختلفة في الصَّلاة: فعلًا، أو قولًا، أو تقريرًا، أو تحضيضًا، ولقد أحسن من قال من العلماء: اعمل بالحديث، ولو مرَّة؛ تكن من أهله (١).

وقوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "فإنّه يُصَلِّي وراءك: الكبيرُ، والصغيرُ، وذو الحاجة"؛ فالمراد بالكبير: المسنُّ، ولا شك أن الصَّلاة تختلف إطالتها باختلاف أحوال المصلي؛ إمامًا، أو مأمومًا، أو منفردًا؛ فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل، ولا شغلَ للإمام، ولا لهم؛ طوَّلوا، وإذا لم يكن كذلك، خففوا، وقد تراد الإطالة، فيعرِضُ ما يقتضي التخفيف؛ كبكاء الطفل، ونحوه.

وعلى ذلك تتنزل الأحاديث؛ في تطويله - صلى الله عليه وسلم -، وتخفيفه، وإذا استقرئ فعله - صَلَّى الله عليه وسلم -: وجد التطويل إمامًا أقل، والتخفيف أكثر؛ فتكون الإطالة لبيان الجواز، والتخفيف لكونه أفضل، وعليه دل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن منكم مُنَفِّرِينَ؛ فأَيُّكُمْ صَلَّى بالنَّاس، فَلْيُخفَّفْ؛ فإن فيهم: السقيمَ، والضعيفَ، وذا الحاجةِ" (٢).

وقيل: إن تطويله، وتخفيفه؛ لبيان أن القراءة فيما زاد على الفاتحة؛ لا تقدير فيها، بل يجوز قليلها، وكثيرها؛ بل الواجب الفاتحة فقط؛ لاتفاق الروايات عليها، واختلافها فيما زاد.

وبالجملة: السُّنة التخفيفُ؛ للعلَّة التي بينها، وتطويله - صَلَّى الله عليه وسلم - في بعض


(١) رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (١٢/ ١٦٥)، عن عمرو بن قيس الملائي قال: إذا بلغك شيء من الخير، فاعمل به ولو مرَّة، تكن من أهله.
(٢) رواه البُخاريّ (٣٧٢)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: من شكا إمامه إذا طول، ومسلم (٤٦٦)، كتاب: الصَّلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصَّلاة في تمام، عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>