للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو سها سهوين، فأكثر: كفاه سجدتان للجميع؛ وبه قال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وجمهور التابعين.

وعن ابن أبي ليلى: لكل سهو سجدتان؛ وفيه حديث ضعيف، والله أعلم.

وفي حديث ذي اليدين هذا فوائد؛ أصولية، وفروعية:

أما الأصولية:

فمنها: ما يتعلق بأصول الدين؛ فهو في موضعين:

أحدهما: جواز السَّهو في الأفعال على الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه-.

والثاني: في الأقوال.

أما الأول: فجوازه مذهب عامة العلماء، والنظار؛ وهذا الحديث يدل عليه؛ وهو مصرح به في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنه - صلى الله عليه وسلم - ينسى؛ كما تنسون (١)؛ وهو ظاهر القرآن.

وشذت طائفة من المتوغلين، فقالت: لا يجوز السَّهو عليه، وإنَّما ينسى قصدًا، أو يتعمد صورة النسيان؛ وهذا باطل؛ لإخباره - صلى الله عليه وسلم - أنه ينسى، ولأن الأفعال العمدية تبطل الصَّلاة؛ ولأن صورة الفعل النسياني كصورة الفعل العمدي، وإنَّما يتميزان للغير بالإخبار.

والذين أجازوا السَّهو قالوا: لا يقر عليه؛ فيما طريقه البلاغ الفعلي، اختلفوا هل من شرط التنبيه الاتصال بالحادثة، أم لا يشترط، بل يجوز التراخي إلى أن تنقطع مدة التبليغ؛ وهو العمر؟

وهذه الواقعة -في حديث ذي اليدين- قد وقع البيان فيها على الاتصال، ومذهب أكثرين: أنه يشترط تنبيهه - صلى الله عليه وسلم - على الفور متصلًا بالحادثة، ولا يقع فيه تأخير.


(١) رواه البُخاريّ (٣٩٢)، كتاب: القبلة، باب: التوجه نحو القبلة حيث كان، ومسلم (٥٧٢)، كتاب: المساجد ومواضع الصَّلاة، باب: السَّهو في الصَّلاة والسجود له.

<<  <  ج: ص:  >  >>