للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوزت طائفة: تأخيره مدة حياته - صلى الله عليه وسلم -؛ واختاره إمام الحرمين.

ومنعت طائفة من العلماء: السَّهوَ عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ في الأفعال البلاغية، والعبادات؛ كما أجمعوا على منعه، واستحالته عليه؛ في الأقوال البلاغية، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك؛ وإليه مال الأستاذ أبو إسحق الإسفراييني.

والصحيح: الأول؛ فإن السَّهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه، لم يحصل فيه مفسدة، بل يحصل فيه فائدة؛ وهو بيان أحكام التأسّي، وتقرير الأحكام.

وقسم القاضي عياض - رحمه الله - السَّهو عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ في الأفعال إلى: ما لا طريقه البلاغ، وإلى ما طريقه البلاغ، ولإتيان الأحكام من الأفعال البشرية؛ ممَّا يختص به: من العبادات، والأذكار القلبية.

وأبى ذلك بعض من تأخر عن زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم -،

وأفعاله، وإقراره؛ كله بلاغ، واستنتج بذلك: العصمة في العمل؛ بناء على المعجزة، تدل على العصمة، فيما طريقه البلاغ؛ وهذه كلها بلاغ، تتعلق بها العصمة، ولم يصرح في ذلك؛ بالفرق بين محمد، أو سهو، وأخذ البلاغ في الأفعال؛ من حيث التأسي به - صَلَّى الله عليه وسلم -؛ فإن سوى بين السَّهو، والعمد فيها؛ فهذا الحديث يرد عليه.

قال القاضي عياض: واختلفوا في جواز السَّهو عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ، وبيان أحكام الشرع؛ من أفعاله، وعاداته، وأذكار قلبه؛ فجوزه الجمهور.

الموضع الثَّاني: جوازه في الأقوال؛ وهو ينقسم إلى: ما طريقه البلاغ؛ فالسهو فيه ممتنع إجماعًا؛ كامتناع العمد فيه، قطعًا وإجماعًا.

وأمَّا السَّهو في الأقوال الدنيوية، وفيما ليس سبيله البلاغ من الأخبار التي لا تستند الأحكام إليها، ولا أخبار المعاد، وما لا يضاف إلى وحي: فجوزه قوم؛ إذ لا مفسدة فيه، وليس هو من باب التبليغ الذي يتطرق به القدح في الشريعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>