للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُمروا ونُهوا عن الكلام لبعضهم بعضًا، فكان ذلك ناسخًا، فاجتمع في كلام الراوي ذكرُ المنسوخ والناسخ؛ لتقدم أحدهما على الآخر.

الثاني: صراحة ذكرهما فيه ظاهر بلا شك، وهو أحد أقسامه، وليس من قسم ما عرف بالتاريخ؛ فإنه قد ذكروا فيه أنه لا يصلح أن يكون دليلًا على أنه ناسخ؛ لاحتمال أن يكون الحكم بالنسخ عن طريق اجتهادي، والنسخ رفع حكم متقدم من الشارع بحكم منه متأخر؛ كهذا الحديث.

الثالث: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨)} [البقرة:٢٣٨] الَّذي ذكره المفسرون في كتبهم، ورجحوه في القنوت المأمور به أنه الطاعة؛ أي: مطيعين، ومنه قوله تعالى إخبارًا عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أمة قانتًا؛ أي: مطيعًا.

وظاهر هذا الحديث أنه السكوت عن الكلام المذكور فيه، وهو كلام الرجل صاحبه، لا كل كلام؛ فإن الصلاة ليس فيها حالة سكوت، وإسكات الصلاة في افتتاحها وبعد الفراغ من الفاتحة قبل آمين وبعده قبل قراءة السورة، ليس سكوتًا حقيقيًّا، وإنما هو سكوت بالنسبة إلى رفع الصوت، لا عن ترك دعاء، حتى قال بعض الشافعية: يستحب أن يقول بعد التأمين وقبل السورة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله كبر، فحينئذ المفهوم من السكوت عرفًا ترك الكلام مطلقًا، وشرعًا ترك الكلام خطابا للآدميين، أو ترك الجهر أو إسماع نفسه به في الصلاة، أما كلام النفس فيها، فمعفو عنه، مع تنقيص الثواب إذا استمر، وهذا معنى قول من قال من المفسرين: وقيل: القنوت: السكوت عما لا يجوز التكلم به في الصلاة.

وقال مجاهد: قانتين: خاشعين، قال: ومن القنوت طول الركوع، وغض البصر، وخفض الجناح (١)، وقيل: المراد: طول القيام.

وقيل: القنوت: الصلاة؛ أي: مصلين، ومنه قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٥٧١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٢/ ٤٤٩)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٣/ ٢٨٢)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٣١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>