الملائكة خصهم، أعني: العباد الصالحين من الملائكة والجن والإنس بالذكر للثناء والتعظيم، وقد كانوا قبل ذلك يقولون: السلامُ على الله، السلام على فلان، السلام على فلان، حتى علموا هذا اللفظ.
وقوله:"أشهد أنْ لا إلهَ الا اللهُ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" إنما أتى بلفظ الشهادة دون لفظ العلم واليقين؛ لأنه أبلغ في معنى العلم واليقين، وأظهر؛ حيث إنه شهود، وهو مستعمل في ظواهر الأشياء وباطنها، بخلاف العلم واليقين؛ فإنهما يستعملان في البواطن غالبًا دون الظواهر، ولهذا قال الفقهاء - رحمهم الله تعالى -: لا تصح إذًا الشهادة عند الحاكم بلفظ دون الشهادة، فلو قال الشاهد: أعلم أو أوقن بكذا، لم يصح، والله أعلم.
وسمي نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - به؛ لكثرة خصاله المحمودة، فألهم الله أهله تسميته به؛ لعلمه سبحانه بها فيه - صلى الله عليه وسلم -، قال أهل اللغة: يقال: رجل محمد ومحمود: إذا كثرت خصالُه المحمودة (١).
واعلم أنه ورد في التشهد أحاديثُ:
منها: رواية ابن مسعود هذه.
ومنها: رواية ابن عباس، وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنهم -، واتفق العلماء على جوازها كلها، واختلفوا في الأفضل والمختار منها، ولا شك أن الروايات اختلفت فيه، فمذهب أبي حنيفة وأحمد - رحمهما الله - وجمهور الفقهاء اختيارُ تشهدِ ابن مسعود هذا؛ لكونه عند المحدثين أشدَّ صحة؛ فإنه في "الصحيحين"، وغيره في مسلم خاصة، ولما فيه من المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه كما تقدم، وأنه أبلغ، بخلاف حذف واو العطف، فيكون ما عدا الأول صفة له، فيكون جملة واحدة في الثناء، وزاد بعض الحنفية في تقرير هذا بأن قال: لو قال: والله، والرحمن، والرحيم، لكانت أيمانًا متعددة تتعدد بها