للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكفارة، ولو قال: والله الرحمن الرحيم، لكانت يمينًا واحدة فيها كفارة واحدة، وبما فيه من إثبات الألف واللام في السلام للتعريف، وتنكيره في رواية غيره، والتعريف أعم. وبقول ابن مسعود - رضي الله عنه - في اللفظ الذي يدل على العناية بتعلمه وتعليمه، وهو: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كفي بين كفيه؛ كما يعلمني السورة من القرآن، لكن هذا مشترك بينه وبين تشهد ابن عباس - رضي الله عنهما - لما فيه من زيادة لفظة "المباركات"، وهي موافقة لقول الله تعالى {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: ٦١].

وأجاب من رجح مذهب الشافعي في اختيار تشهد ابن عباس بأن واو العطف قد تسقط، وتكون مقدرة في حديث ابن عباس، فيكون تقدير التحيات المباركات الصلوات الطيبات، بالواو فيها كلها، وحذفها جائز للاختصار، معروف في اللغة، وأنشدوا في ذلك:

كيف أصبحت كيف أمسيت مما (١)

والمراد: كيف أصبحت وكيف أمسيت؛ وهذا أولًا إسقاط للواو العاطفة في عطف الجمل، ومسألتنا في إسقاطها في عطف المفردات، وهو أضعف من إسقاطها في عطف الجمل، ولو كان غير ضعيف، لم يمتنع الترجيح بوقوع التصريح بما يقتضي تعدد الثناء، بخلاف ما لم يصرح به، والله أعلم.

واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي علمه الناسَ على المنبر، ورجحه أصحابه؛ لشهرته، وعدم المنازعة فيه من أحد من الصحابة -رضي الله عنهم-، فصار كالإجماع، وهو: التحياتُ لله الزاكياتُ الطيباتُ لله، سلام عليك أيها النبي، إلى آخره، ويترجح تشهد ابن مسعود عليه، وكذا تشهد ابن عباس - رضي الله عنه - بأن رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصرَّح به، ورفع تشهد عمر - رضي الله عنه - بطريق الاستدلال، كيف والغاية دالة على تقديمها بتعليمها


(١) منسوب إلى علي - رضي الله عنه -، كما في "ديوانه" (ص: ١٩٠)، وفيه:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... ينبت الودُّ في الفؤادِ الكريمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>