اختلف العلماء، فأكثرهم على وجوبها في العمر مرة، وقال بعضهم: يجب كلما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو اختيار الطحاوي من الحنفية، وأبي عبد الله الحليمي من الشافعية.
وقال الشافعي وأحمد: هي واجبة في التشهد الأخير عقبه قبل السلام، وهذا مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله - رضي الله عنهما -، وهو قول الشعبي، وإسحاق، وقد نسب الشافعي جماعة في وجوبها في التشهد الأخير إلى مخالفة الإجماع، وهو غير صحيح، فإن الشعبي تابعي صغير، وهو من الفقهاء المعتد بقولهم، وخلافه ليس معه إجماع، كيف وهو منقول عن عمر وابنه، وجعل من نسب الشافعي إلى مخالفة الإجماع في ذلك أن قول أحمد وإسحاق في الوجوب على سبيل التبعية والتقليد للشافعي، لا استقلالًا.
واعلم أنه ليس في الحديث تنصيص على أن هذا الأمر مخصوص بالصلاة، وقد استدل الفقهاء كثيرًا على وجوبها في الصلاة بأنها واجبة بالإجماع، ولا تجب في غير الصلاة بالإجماع، فتعين وجوبها فيها، وهو ضعيف جدًّا، ولأن قولهم: لا تجب في غير الصلاة بالاجماع إن أرادوا به عينًا، فهو صحيح، لكنه لا يلزم منه أن يجب في الصلاة عينًا؛ لجواز أن يكون الواجب مطلق الصلاة، فلا يجب واحد من العينين خارج الصلاة وداخلها.
واعلم أن كل لفظ أُمرنا بالإتيان به على صيغة من الشارع يجب في العمل به مراعاة لفظه، ولا يجوز الإتيان به بمعناه، فالصلاة من الله تعالى معناها الرحمة، فإذا قلنا: اللهم صل على محمد، فكأننا سألنا الله تعالى الرحمة لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يسقط الأمر بقولنا: اللهم ارحم محمدًا، أو اللهم ترحمَّ على محمد، دون الصلاة، وقد وردت الرحمة مع الصلاة والتبريك في بعض الأحاديث الغريبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "وارحم محمدًا وآل محمد، كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم"، واختلف علماء المالكية في قول ذلك، فقال بعضهم: لا يقال، وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر، وأجازه بعضهم، وهو مذهب محمد بن أبي زيد، والمختار