أم هو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أوجه، والصحيح الذي عليه الأكثرون منهم: أنه مكروه كراهة تنزيه، قالوا: لأنه شعار أهل البدع، وقد نُهينا عن شعارهم، لكن المعتمد في دليل المنع أن الصلاة في لسان السلف صارت مخصوصة بالنبي وغيره من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- استقلالًا، كما أن قولنا: عزَّ وجلَّ مخصوص بالله -سبحانه وتعالى-، فكما لا يقال: محمد عزَّ وجلَّ، وإن كان عزيزًا جليلًا، لا يقال: أبو بكر أو علي صلى الله عليه، وإن كان معناه صحيحًا.
وذهب الإمام أحمد وجماعة إلى جواز الصلاة على كل واحد من المؤمنين استقلالًا، واحتجوا بقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}[الأحزاب: ٤٣]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى"(١)؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم، صلَّى عليهم، وأجاب الأكثرون بأن هذا النوع من الصلاة مأخوذ من التوقيف وعمل السلف، ولم ينقل استعمالُهم ذلك، بل خَصوا به الأنبياء كما ذكرنا، وأجابوا عن الآية الكريمة والحديث المذكورين وغيره من الأحاديث: أن ما كان من الله -عزَّ وجلَّ- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهو دعاء وترحم، وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الذي يكون من غيرهما، واتفق العلماء على جواز جعل غير الأنبياء من الأتباع والذرية والأزواج تبعًا لهم في الصلاة؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك، وفي الأمر به في أحاديث التشهد، والصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وفي السلام عليه، ولم يزل السلف على العمل به خارج الصلاة أيضًا.
وأما السلام، فقال الشيخ أبو محمد الجويني: هو في معنى الصلاة، فإن الله تعالى قرن بينهما، فلا يفرد به غائب غير الأنبياء، فلا يقال: أبو بكر، أو عمر، أو علي - عليه السلام -، وإنما يقال ذلك خطابًا للأحياء والأموات، وأما الحاضر
(١) رواه البخاري (١٤٢٦)، كتاب: الزكاة، باب: صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، ومسلم (١٠٧٨)، كتاب: الزكاة، باب: الدعاء لمن أتى بصدقة، عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -.