للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أما الركوعُ فعظِّموا فيه الربَّ، وأما السجودُ، فاجتهدوا فيه في الدعاء" (١)؛ فإنه دال على الأولوية من تعظيم الرب -سبحانه وتعالى- في الركوع، والأولوية لا يخالف الجواز من الدعاء فيه، كيف ولم ينه عنه فيه، بل فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، وأمر بالاجتهاد في السجود من الدعاء من غير منع من التسبيح، فيقتضي ذلك جميعه أن تكون الكثرة للتعظيم في الركوع، لا منع الدعاء، والكثرة للدعاء في السجود لا منع التنزيه، وإن كان السؤال والدعاء يدل على التنزيه والتعظيم، مع أن في حديث عائشة - رضي الله عنها - لفظ (إذا)، وهي تقتضي الاستقبال وعدم حصول الشرط حينئذ، لكنها لا تدخل إلا على ما يتحقق وقوعه، بخلاف (إن)؛ فإنها تدخل على المشكوك في وقوعه، ولهذا إذا قال لزوجته: إذا دخلت الدار فأنت طالق، لم يكن حلفًا؛ لأنه غير محقق الوقوع، فلا يصح دخولها على الدخول للدار، ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، كان حلفًا؛ لكونه مشكوكًا فيه غير محقق الوقوع، لكنه إذا وجد المعلق عليه فيهما، وقع الطلاق؛ لوجود الصفة، وقد ولدوا في (إذا) وجهًا في عدم الوقوع في قوله: إذا حلفتُ بطلاقكِ فأنتِ طالق، فقال: إذا دخلت الدار، فأنت طالق، ثم دخلت، قالوا: لأنه لا يسمى حلفًا عرفًا، وإن كان وضعهما لغة كما ذكرنا، فلا يكون حلفًا في (إذا)، ويكون حلفًا في (إن)، فلما كانت (إذا) لا تدخل إلا على ما يتحقق وقوعه، عامله معاملة الحاضر، فبادر إلى امتثال الأمر، فقول عائشة - رضي الله عنها -: "ما صَلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد أن نزلت: إذا جاء نصر الله والفتح"، يقتضي تعجيل القول لتحقق وقوعهما، وقرب الصلاة عقب نزول الآية، والمراد بالفتح فتح مكة، وأما دخول الناس في دين الله أفواجًا، فتحتاج إلى مدة أوسع من المدة التي بين الصلاة الأولى ونزول الآية والفتح، والله أعلم.


(١) رواه مسلم (٤٧٩)، كتاب: الصلاة، باب: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>