للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "سبحانك اللهم" سبحانَك: منصوبٌ على المصدر، قال أهل العربية وغيرهم: التسبيحُ: التنزيهُ، يقال: سبحت اللهَ تسبيحًا وسُبْحانًا، ومعناه براءة وتنزيه له من كل نقص وصفة لمحدث (١).

وقوله: "وبحمدك" سبحتك، ومعناه: وبتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عليَّ سبحتك، لا بحولي وقوتي، ففي ذلك شكر لله تعالى على هذه النعمة، والاعتراف بها، والتفويض إلى الله تعالى، وأن كل الأفعال له سبحانه ملكًا واستحقاقًا، وقوله في الآية الكريمة: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: ٣]، فيه وجهان:

أحدهما: المراد بالأمر: التسبيح بنفس الحمد؛ لتضمن الحمد معنى التسبيح الذي هو التنزيه؛ لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله تعالى وحده، وفي ذلك نفي التزكية.

والثاني: المراد: التباس فسبح بالحمد، فتكون الباء في (وبحمدك) دالة على الحال، وهذا هو الراجح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبح وحمد بقوله: "سبحانك وبحمدك"، وعلى مقتضى الوجه الأول كان يكتفي بالحمد فقط، لكن تسبيح النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على ترجيح المعنى الثاني، ويكون معناه: بحمدك سبحت، فيكون الحمد سببًا للتنزيه بسبحان، ويكون معناه التوفيق والهداية، والاعتقاد معناه، وهذا كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: لما نزلت براءتها للنبي - صلى الله عليه وسلم -: بحمد الله لا بحمدك، كما ثبت في "الصحيح" (٢)؛ أي: وقع هذا بسبب حمد الله؛ أي: بتفضله وإحسانه وعطائه؛ قإن الفضل والإحسان سبب الحمد، فيعبر عنهما به.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفر لي" امتثالٌ لقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ


(١) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (٢/ ٢٠٣)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (٣/ ١٣٤)، و"شرح مسلم" له أيضًا (٤/ ٢٠١ - ٢٠٢).
(٢) رواه البخاري (٣٢٠٨)، كتاب: التفسير، باب: قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)} [يوسف: ٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>