ثم لفظ الحديث كما اقتضى ظاهره عدم الزيادة على مثنى، وكذلك يقتضي عدم النقصان منهما، وقد اختلفوا في ذلك، فقال الشافعي وطائفة: يجوز التنفل بركعة، وقال أبو حنيفة: لا يجوز؛ لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" وهذا أولى من الاستدلال بأنه لو كانت الركعة الفردة صلاة، لما امتنع قصر صلاة الصبح والمغرب، فإنه ضعيف، ثم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الليل مثنى"، مع قوله:"فإذا خشي الصبحَ أوترَ بركعة واحدة توترُ له ما صلى"، يقتضي تقديمَ شفعٍ على الوتر، فلو أوتر بعد صلاة العشاء من غير شفع، لم يكن آتيا بالسنة، وظاهر مذهب مالك - رحمه الله - لا يوتر بركعة فردة هكذا من غير حاجة، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الوتر بأقل من ثلاث ركعات، ثم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا خشي الصبح، أوتر بواحدة" يقتضي انتهاء وقت الوتر إلى طلوع الفجر الثاني يخرج بطلوعه، وهو المشهور في مذهب الشافعي، وهو قول جمهور العلماء، ولأصحاب الشافعي وجه أنه يمتد بعد طلوع الفجر حتى يصلي الصبح.
ثم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" يقتضي أن يكون الوتر آخر صلاة الليل؛ لأنه أمر أن يجعله آخر صلاته بالليل، ولم يقل أحد بوجوبه فيما أعلم، بل ذهب ذاهب إلى وجوب أصل الوتر، وجعل من جملة ما استدل به على وجوبه هذا الحديث، وليس فيه دليل، بل إن أراد الاستدلال بأن يحمل الصيغة على الندب، فلا يستقيم له أيضًا؛ لما يلزم منه من الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظة واحدة، ومذهب هذا الذاهب يمنعه، ولا يرى ندبية الوتر، فلا يستقيم له الاستدلال به على الوجوب، ثم جعل الوتر آخر صلاة الليل هو الأفضل؛ لأنه الغالب من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقوله، فلو أوتر ثم أراد التنفل، فهل يشفع وتره بركعة أخرى، ثم يتنفل بما شاء من صلاته؛ فيه وجهان لأصحاب الشافعي، وإذا لم يشفعه بركعة، وصلى، فهل يعيد الوتر أخيرًا؛ فيه خلاف للمالكية والشافعية، ولا شك أن هذا الحديث يقتضي ظاهره إعادته، لكنه يتوقف على ألَّا يكون قبله وتر؛ لما جاء من الحديث الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: