أي: شأنه الاغتسال منه، ومعناه: النهي عن البول فيه، سواء أراد الاغتسال منه، أو لا. وقيل: يجوز جزمه على النهي، ونصبُه على تقدير أَنْ، أو تكون ثمَّ بمعنى الواو للجمع؛ كقوله: لا تأكل السمكَ وتشرب اللبنَ؛ أي: لا تجمعْ بينهما، وهو فاسد المعنى هنا؛ فإنه يقتضي النَّهي عن الجمع بين البول وإرادة الاغتسال، أو نفس الاغتسال، وليس ذلك مرادًا بالإجماع، بل البول في الماء الراكد منهي عنه على إفراده، والاغتسال فيه منهي عنه على انفراده، سواء كان كثيرًا أو قليلًا، وقد رواهما أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح، ولفظه:"لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في المَاءِ الدَّائِمِ، ولا يغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الجَنَابة"(١)، لَكِنْ إِنْ كان كثيرًا، كان نهيَ تنزيه في الغسل، ونهيَ تحريم في البول؛ لما يلزم منه من تقذيره أو إفساده.
ووقع هنا "يغتسل منه" بالميم، وهي رواية مسلم، ورواية البخاريُّ "فيه" بالفاء، ومعناهما مختلف يفيد كل واحدٍ منهما حكمًا بطريق النَّص، ولو لمْ يَرِدْ، لاستوى الحكم فيه بالنسبة إلى الوضوء والغسل، وهو مختلف فيهما، فيجوزان بالأخذ من الماء الدَّائم واستعماله خارجًا عنه دون التوضؤ والاغتسال فيه نفسه لفهم المعنى المقصود، وهو التنزه عن التقرب إلى الله تعالى بالمستقذرات، ولهذا استوى المعنى في الوضوء والغسل، وقد ورد النهي عن الوضوء في بعض الروايات مصرَّحا به -والله أعلم-.
وسُمِّي الجنب؛ لبعده عن المسجد والقرآن؛ ولمَّا بَعُدَ عنهما، أُمر بالإبعاد عن الماء الدَّائم؛ لئلا يقذره كما يقذره البول، ويقال للرَّجل: جنب، وللمرأة، وللاثنين، والجمع، كله بلفظ واحد، قال الله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا}[المائدة: ٦].
وأما حكم البول في الماء الراكد، فمقتضاه النهيُّ فيه للتَّحريم مطلقًا، وبه
(١) رواه أبو داود (٧٠)، كتاب: الطهارة، باب: البول في الماء الراكد، وابن ماجه (٦٠٥)، كتاب: الطهارة، باب: الجنب ينغمس في الماء الدائم، أيجزيه؟ ورواه أيضًا النسائي (٣٩٨)، كتاب: الغسل والتيمم، باب: ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم، وهذا لفظ أبي داود.